للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَقْسَامِ الْأَصْلِ وَهُوَ أَنْ يَقَعَ الشَّكُّ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ هَلْ يُسْتَحْصَدُ الزَّرْعُ فِيهَا كَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهَا خَمْسَةَ أَشْهُرٍ لِزَرْعِ الْبُرِّ أَوِ الشَّعِيرِ فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يُسْتَحْصَدَ الزَّرْعُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ وَبَعْضِ السِّنِينَ، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يُسْتَحْصَدَ، فَيَكُونُ حُكْمُ هَذَا الْقِسْمِ حُكْمَ مَا عُلِمَ أَنَّهُ يُسْتَحْصَدُ فِيهِ وَيَكُونُ حُكْمُ هَذَا الْقِسْمِ حُكْمَ مَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُسْتَحْصَدُ فِيهِ عَلَى مَا مَضَى إِسْقَاطًا لِلشَّكِّ وَاعْتِبَارًا بِالْيَقِينِ والله أعلم.

[مسألة]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَإِذَا تَكَارَى الْأَرْضَ الَّتِي لَا مَاءَ لَهَا إِنَّمَا يُسْقَى بِنُطَفِ سماءٍ أَوْ بسيلٍ إِنْ جَاءَ فَلَا يَصِحُّ كِرَاؤُهَا إِلَّا عَلَى أَنْ يُكْرِيَهُ إِيَّاهَا أَرْضًا بَيْضَاءَ لَا مَاءَ لَهَا يَصْنَعُ بِهَا الْمُسْتَكْرِي مَا شَاءَ فِي سَنَتِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَبْنِي وَلَا يَغْرِسُ فَإِذَا وَقَعَ عَلَى هَذَا صَحَّ الْكِرَاءُ وَلَزِمَهُ زَرَعَ أَوْ لَمْ يَزْرَعْ فَإِنْ أَكْرَاهُ إِيَّاهَا عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا وَلَمْ يَقُلْ أَرْضًا بَيْضَاءَ لَا مَاءَ لَهَا وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنَّهَا لَا تُزْرَعُ إِلَّا بمطرٍ أَوْ سيلٍ يَحْدُثُ فَالْكِرَاءُ فاسدٌ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ إِجَارَةَ الْأَرْضِ لِلزَّرْعِ لَا تَجُوزُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا مَاءٌ قَائِمٌ يَغْتَذِي بِهِ الزَّرْعُ، فَإِذَا كَانَتِ الْأَرْضُ بَيْضَاءَ لَا مَاءَ لَهَا، وَإِنَّمَا تُسْقَى بِمَا يَحْدُثُ مِنْ نُطَفِ سَمَاءٍ مِنْ مَطَرٍ أَوْ طَلٍّ أَوْ بِحُدُوثِ سَيْلٍ مِنْ زِيَادَةِ وَادٍ أَو نَهْرٍ فَلَا تَصِحُّ إِجَارَتُهَا لِلزَّرْعِ إِلَّا أَنْ يَقُولَ أَجَّرْتُكَهَا عَلَى أَنَّهَا أَرْضٌ بَيْضَاءُ لَا مَاءَ لَهَا لِتَصْنَعَ بِهَا مَا شِئْتَ عَلَى أَنْ لَا تَبْنِيَ وَلَا تَغْرِسَ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَشْرُطْ هَذَا - وَقَدِ اسْتَأْجَرَهَا لِلزَّرْعِ - تَوَهَّمَ الْمُسْتَأْجِرُ أَنَّ الْمُؤَجِّرَ مُلْتَزِمٌ بِحَفْرِ بِئْرٍ أَوْ نَهْرٍ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ التَّمْكِينِ، وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ لَهُ فَلَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ شَرْطٍ يَنْفِي هَذَا التَّوَهُّمَ وَيُزِيلُ هَذَا الِاحْتِمَالَ وَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَلَا يَخْلُو حَالَ الْعَقْدِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يُشْتَرَطَ أَنْ لَا مَاءَ لَهَا فَالْإِجَارَةُ صَحِيحَةٌ عَلَى مَا وَصَفْنَا وَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَزْرَعَهَا وَلَا يَغْرِسَهَا، وَيَحْفِرَ فِيهَا لِلزَّرْعِ بِئْرًا إِنْ شَاءَ، وَعَلَيْهِ طَمُّهَا عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يُشْتَرَطَ أَنَّ لَهَا مَاءً، وَهُوَ مَا يَحْدُثُ مِنْ سَيْلٍ أَوْ مَطَرٍ فَالْإِجَارَةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ السَّيْلَ وَالْمَطَرَ قَدْ يَحْدُثُ وَقَدْ لَا يَحْدُثُ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يُطْلِقَ الْعَقْدَ، فَلَا يَشْرُطُ أَنَّهَا بَيْضَاءُ لَا مَاءَ لَهَا، وَلَا يَشْرُطُ أَنَّ لَهَا مَاءً يَحْدُثُ، فَلَا يَخْلُو حَالُ الْأَرْضِ مِنْ أَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ رَخْوَةً يُمْكِنُ حَفْرُ بِئْرٍ فِيهَا أَوْ شقُّ نَهْرٍ إِلَيْهَا فَالْإِجَارَةُ بَاطِلَةٌ لِمَا فِيهَا مِنَ احْتِمَالِ الْتِزَامِ الْمُؤَجِّرِ لِذَلِكَ.

وَالثَّانِي: أن تكون صلبة لا يمكن من حَفْرُ بِئْرٍ فِيهَا وَلَا شِقُّ نَهْرٍ إِلَيْهَا كَأَرَاضِي الْجِبَالِ فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ اخْتِيَارُهُ أَنَّ إِجَارَتَهَا مَعَ عَدَمِ الشَّرْطِ وَإِطْلَاقِ الْعَقْدِ جَائِزَةٌ لِأَنَّ اسْتِحَالَةَ ذَلِكَ فِيهَا يُغْنِي عَنِ الشَّرْطِ، وَيَقُومُ مَقَامَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>