للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ كَانَ قِيمَتُهُ مَقْلُوعًا أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ قَائِمًا - وَهُوَ الْأَغْلَبُ - نُظِرَ فَإِنْ بَذَلَ رَبُّ الْأَرْضِ قِيمَةَ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ قَائِمًا أَوْ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ قَائِمًا أَوْ مَقْلُوعًا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَأْجِرِ تَرْكُهُ، لِأَنَّ مَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنَ الضَّرَرِ بِقَلْعِهِ يَزُولُ بِبَذْلِ الْقِيمَةِ أَوِ النَّقْصِ وَقِيلَ لَا نَجْبُرُكَ عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ، وَلَكِنْ نُخَيِّرُكَ بَيْنَ أَنْ تَقْلَعَهُ أَوْ تَأْخُذَ قِيمَتَهُ وَلَيْسَ لَكَ إِقْرَارُهُ وَتَرْكُهُ.

وَإِنْ لَمْ يَبْذُلْ رَبُّ الْأَرْضِ قِيمَةَ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ وَلَا قَدْرَ النَّقْصِ نُظِرَ فِي الْمُسْتَأْجِرِ فَإِنِ امْتَنَعَ مِنْ بَذْلِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ بَعْدَ تَقَضِّي الْمُدَّةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِقْرَارُ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ وَأُخِذَ بِقَلْعِهِ، وَإِنْ بَذَلَ أُجْرَةَ الْمِثْلِ مَعَ امْتِنَاعِ رَبِّ الْأَرْضِ مِنْ بَذْلِ الْقِيمَةِ أَوِ النَّقْصِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ أَنَّ الْغَرْسَ وَالْبِنَاءَ مَقَرٌّ لَا يُؤْخَذُ الْمُسْتَأْجِرُ بِقَلْعِهِمَا، وَيُؤْخَذُ أُجْرَةُ مِثْلِهِمَا، وَقَالَ أبو حنيفة وَالْمُزَنِيُّ وَيُؤْخَذُ الْمُسْتَأْجِرُ بِقَلْعِهِمَا وَلَا يُجْبَرُ رَبُّ الْأَرْضِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ عَلَى تَرْكِهِمَا اسْتِدْلَالًا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُزَنِيُّ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةٍ عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) {النساء: ٢٩) .

وَلَيْسَ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ رضي بِالتَّرْكِ فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَ بِقَلْعِ زَرْعِهِ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ لَمْ يَقَرَّ إِلَى أَوَانِ حَصَادِهِ مَعَ أَنَّ زَمَانَ حَصَادِهِ مَحْدُودٌ فَلِأَنْ يُؤْخَذَ بِقَلْعِ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ مَعَ الْجَهْلِ بِزَمَانِهِمَا أَوْلَى، وَلِأَنَّ تَحْدِيدَ الْمُدَّةِ يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْحُكْمِ فِي الِاسْتِيفَاءِ كَمَا أَوْجَبَ اخْتِلَافَ الْحُكْمِ فِي إِحْدَاثِ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ. وهذا المذهب أظهر حجاجاً وأصح اجتهاداً واستدل أَصْحَابنا عَلَى تَرْكِهِ وَإِقْرَارِهِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَيْسَ لعرقٍ ظالمٍ حَقٌّ ".

فَاقْتَضَى ذَلِكَ وُقُوعَ الْفَرْقِ بَيْنَ الظَّالِمِ وَالْمُحِقِّ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسَوي بَيْنَهُمَا فِي الْأَخْذِ بِالْقَلْعِ، قَالُوا وَلِأَنَّ مَنْ أَذِنَ لِغَيْرِهِ فِي إِحْدَاثِ حَقٍّ فِي مِلْكِهِ كَانَ مَحْمُولًا فِيهِ عَلَى الْعُرْفِ الْمَعْهُودِ فِي مِثْلِهِ كَمَنْ أَذِنَ لِجَارِهِ فِي وَضْعِ أَجْذَاعِهِ فِي جِدَارِهِ كَانَ عَلَيْهِ تَرْكُهُ عَلَى الْأَبَدِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَخْذُهُ بِقَلْعِهَا لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِاسْتِدَامَةِ تَرْكِهَا، كَذَلِكَ الْغَرْسُ وَالْبِنَاءُ الْعَادَةُ فِيهِمَا جَارِيَةٌ بِالتَّرْكِ وَالِاسْتِيفَاءِ، دُونَ الْقَلْعِ وَالتَّنَاوُلِ فَحُمِلَا عَلَى الْعَادَةِ فِيهِمَا، وَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ يَفْسُدُ بِالزَّرْعِ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِتَرْكِهِ إِلَى أَوَانِ حَصَادِهِ ثُمَّ هِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ حِينَ يُؤْخَذُ بِقَلْعِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ

: وَإِذَا كَانَتِ الْإِجَارَةُ فَاسِدَةً، فَبَنَى الْمُسْتَأْجِرُ فِيهَا وَغَرَسَ فَهُوَ فِي الْإِقْرَارِ وَالتَّرْكِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ، لِأَنَّ الْفَاسِدَ مِنْ كُلِّ عَقْدٍ حُكْمُهُ حُكْمُ الصَّحِيحِ فِي الْأَمَانَةِ وَالضَّمَانِ.

فَصْلٌ

: وإذا أراد المستأجر بيع بناءه وَغَرْسِهِ قَائِمًا فِي الْأَرْضِ فَإِنْ بَاعَهُ عَلَى رَبِّ الْأَرْضِ جَاز، وَإِنْ بَاعَهُ عَلَى غَيْرِهِ فَفِي الْبَيْعِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: بَاطِلٌ لِأَنَّ مِلْكَ الْمُسْتَأْجِرِ عَلَيْهِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ، لِأَنَّ رَبَّ الْأَرْضِ مَتَى بَذَلَ لَهُ قِيمَتَهُ أُجْبِرَ عَلَى أَخْذِهَا أَوْ قَلْعِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ لِأَنَّ مَا يُخَافُ مِنْ زَوَالِ مِلْكِهِ فِي الثَّانِي لَا يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِ بَيْعِهِ فِي الْحَالِ كَالْمَبِيعِ إِذَا اسْتُحِقَّتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>