للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَكَذَا رَبُّ الْأَرْضِ إِذَا أَرَادَ بَيْعَهَا فَإِنْ بَاعَهَا عَلَى مَالِكِ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ جَازَ، وَإِنْ بَاعَهَا عَلَى غَيْرِهِ كَانَ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ.

وَلَكِنْ لَوِ اجْتَمَعَ رَبُّ الْأَرْضِ وَصَاحِبُ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ عَلَى الْبَيْعِ جَازَ وَكَانَ الثَّمَنُ مُقَسَّطًا عَلَى الْقِيمَتَيْنِ.

فَصْلٌ

: فَأَمَّا إِذَا أَرَادَ الْمُزَارِعُ بيع الأكارة وَالْعِمَارَةِ فَقَدْ قَالَ أبو حنيفة: إِنْ كَانَتْ لَهُ إِثَارَةٌ جَازَ لَهُ بَيْعُهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِثَارَةٌ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ إِدْخَالُ يَدٍ بَدَلًا مِنْ يَدِهِ بِثَمَنٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهَا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا وَيُجْعَلُ الْأَكَّارُ شَرِيكًا لِرَبِّ الْأَرْضِ بِعِمَارَتِهِ، وَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعِمَارَةِ مَا لَمْ تَكُنْ أَعْيَانًا لِأَنَّ عِمَارَةَ الْأَرْضِ تَبَعٌ لَهَا.

فَصْلٌ

: وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ أَرْضَهُ إِلَى رَجُلٍ لِيَبْنِيَ فِيهَا وَيَغْرِسَ عَلَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لَمْ يَجُزْ، وَكَانَتِ الْأَرْضُ عَلَى مِلْكِ رَبِّهَا، وَالْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ عَلَى مِلْكِ رَبِّهِ، وَلَهُ إِقْرَارُهُ مَا بَقِيَ. وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ أَرْضَهُ إِلَى رَجُلٍ لِيَغْرِسَهَا فسيلاً، فإذا صارت الفسيلة على ثلاث سعفان كَانَتِ الْأَرْضُ وَالنَّخْلُ بَيْنَهُمَا وَهَذَا مَذْهَبٌ يُغْنِي ظُهُورُ فَسَادِهِ عَنْ إِقَامَةِ دَلِيلٍ عَلَيْهِ.

فَصْلٌ

: وَإِذَا وَقَفَ صَاحِبُ الْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ غَرْسَهُ وَبِنَاءَهُ قَائِمًا صَحَّ لِلْوَقْفِ وَلَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَبْذُلَ لَهُ قِيمَةَ ذَلِكَ قَائِمًا لِأَنَّهُ وَقْفٌ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ، وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْوَاقِفُ بِقَلْعِهِ إِنْ بَذَلَ لَهُ أَرْشَ نَقْصِهِ، فَإِذَا قَلَعَهُ لَزِمَهُ أَنْ يَنْقُلَهُ إِلَى أَرْضٍ أُخْرَى يَكُونُ وَقْفًا فِيهَا جَارِيًا عَلَى سَبِيلِهِ.

[مسألة]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وما اكترى فاسدا وقبضها ولم يزرع ولم يَسْكُنْ حَتَى انْقَضَتِ السَّنَةُ فَعَلَيْهِ كِرَاءُ الْمِثْلِ ".

قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَا قَبَضَهُ الْمُسْتَأْجِرُ عَنْ عَقْدٍ صَحِيحٍ فَمَنَافِعُهُ مَضْمُونَةٌ عَلَيْهِ سَوَاءٌ تَصَرَّفَ فِيهِ أَوْ لَمْ يَتَصَرَّفْ، فَأَمَّا مَا قَبَضَهُ عَنْ عَقْدٍ فَاسِدٍ مِنْ أَرْضٍ أَوْ دَارٍ فهو أيضاً ضامن لأجرة مِثْلِهَا سَوَاءٌ سَكَنَ وَتَصَرَّفَ أَوْ لَمْ يَسْكُنْ وَلَمْ يَتَصَرَّفْ.

وَقَالَ أبو حنيفة: إِنْ تَصَرَّفَ ضَمِنَ الْأُجْرَةَ، وَإِنْ لَمْ يَتَصَرَّفْ لَمْ يَضْمَنْهَا اسْتِدْلَالًا بِأَنَّهُ عَقْدٌ لَا يَسْتَحِقُّ فِيهِ التَّسْلِيمَ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ فِيهِ الْعِوَضَ إِلَّا بِالِانْتِفَاعِ، كَالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ طَرْدًا، وَالصَّحِيح عَكَسًا.

وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّهَا مَنَافِعُ يَضْمَنُهَا فِي الْعَقْدِ الصَّحِيحِ فَوَجَبَ أَنْ يَضْمَنَهَا فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ، وَإِنْ تَصَرَّفَ، وَلِأَنَّ مَا ضَمِنَهُ مِنَ الْمَنَافِعِ بِالتَّصَرُّفِ ضَمِنَهَا بِالتَّلَفِ عَلَى يَدِهِ مِنْ غَيْرِ تَصَرُّفٍ كَالْعَقْدِ الصَّحِيحِ، وَلِأَنَّ الْمَنَافِعَ جَارِيَةٌ مَجْرَى الْأَعْيَانِ فِي الْمُعَاوَضَةِ وَالْإِبَاحَةِ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّ مَا قَبَضَ مِنَ الْأَعْيَانِ عَنْ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ تَلِفَ بِتَصَرُّفِهِ أَوْ غَيْرِ تَصَرُّفِهِ كَالْعَقْدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>