للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِمُشْرِكٍ أَنْ يُحْيِيَ مَوَاتًا فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَقَوْلُ الرَّبِيعِ وَعَفْوُهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ يَعْنِي لِوَاحِدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِعَيْنِهِ، لِأَنَّ مَنْ أَحْيَاهُ مِنْهُمْ مَلَكَهُ، فَإِنْ قِيلَ فلما خَصَّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِلَادَ الْإِسْلَامِ بِهَذَا التَّقْسِيمِ مِنَ الْحُكْمِ وَقَدْ تَكُونُ بِلَادُ الشِّرْكِ مِثْلَهَا وَعَلَى حُكْمِهَا فَعَنْ ذَلِكَ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ خَصَّ بِلَادَ الْإِسْلَامِ بِذَلِكَ، لِأَنَّ أَحْكَامَنَا عَلَيْهَا جَارِيَةٌ بِخِلَافِ بِلَادِ الشِّرْكِ الَّذِي لَا تَجْرِي عَلَيْهَا أَحْكَامُنَا.

وَالثَّانِي: أَنَّ بِلَادَ الشِّرْكِ قَدْ يَكُونُ حُكْمُهَا كَبِلَادِ الْإِسْلَامِ فِي عَامِرِهَا وَمَوَاتِهَا بِحَسَبِ اخْتِلَافِ فُتُوحِهَا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يجمعها في الحكم.

[مسألة]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَكُلُّ مَا ظَهَرَ عَلَيْهِ عَنْوَةً مِنْ بِلَادِ الْعَجَمِ فَعَامِرُهُ كُلُّهُ لِمَنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ بِلَادَ الشِّرْكِ إِذَا صَارَتْ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَصِيرَ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ عَفْوًا بِإِسْلَامِ أَهْلِهَا طَوْعًا مِنْ غَيْرِ إِيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، وَلَا بِتَهْدِيدٍ وَإِرْهَابٍ فَحُكْمُ ذَلِكَ حُكْمُ مَا أَحْيَاهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَمْصَارِهِمْ فِي مِلْكِهِمْ لِرِقَابِ عَامِرِهَا وَاسْتِوَاءِ كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي إِحْيَاءِ مَوْتَاهَا، وَجَمِيعُهَا أَرْضُ عُشْرٍ فِيمَا أَسْلَمُوا عَلَيْهِ مِنْ عَامِرٍ وَمَا استأنفوا إحياؤه مِنْ مَوَاتٍ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَا ظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِالْيَدِ وَالْغَلَبَةِ وَذَلِكَ ضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: مَا مُلِكَ عَنْوَةً.

وَالثَّانِي: مَا فُتِحَ صُلْحًا، فَأَمَّا الْمَمْلُوكُ عَنْوَةً فَعَامِرٌ مَغْنُومٌ يُقَسَّمُ خَمْسَةً عَلَى خَمْسَةٍ مِنْ أَهْلِ الْخُمْسِ، وَتَكُونُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ مقسومة بيه الغانمين، فأما مواته فلهم فيه حالان:

أحدهما أَنْ لَا يَذُبُّوا عَنْهُ وَلَا يَمْنَعُوا مِنْهُ، وَيُخَلُّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ عَنْهُ، فَهَذَا فِي حُكْمِ مَوَاتِ الْمُسْلِمِينَ مَنْ أَحْيَاهُ فَقَدْ مَلَكَهُ، وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ الْغَانِمُونَ دُونَ غَيْرِهِمْ.

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَذُبُّوا عَنْهُ وَيَمْنَعُوا مِنْهُ، وَيُقَاتِلُوا دُونَهُ، فَقَدْ صَارَ الْغَانِمُونَ أَوْلَى بِهِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ صَارُوا أَوْلَى بِهِ يَدًا أَوْ مِلْكًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ أَوْلَى بِهِ يَدًا كَالْمُحْجِرِ عَلَى الموات وهو أَوْلَى بِهِ، لِمَحْجَرِهِ وَيَدِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِنْ لم يصير ملكاً له فإن أخروا أحياؤه قَالَ لَهُمُ الْإِمَامُ: إِمَّا أَنْ تُحْيُوهُ أَوْ تَرْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ عَنْهُ لِيُحْيِيَهُ غَيْرُكُمْ كَمَا يَقُولُ لِمَنْ يَحْجُرُ مَوَاتًا فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ، لِأَنَّ مَنْعَ الْمُشْرِكِينَ مِنْهُ تَحْجِيرٌ ثُمَّ انْتَقَلَتْ أَيْدِيهُمْ إِلَى الْغَانِمِينَ فَصَارُوا بِالْغَنِيمَةِ مُتَحَجِّرِينَ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَوْ بَدَرَ غَيْرُ الْغَانِمِينَ فَأَحْيَاهُ مَلَكَهُ كَمَا يَمْلِكُ مَا أَحْيَاهُ مِنْ مَوَاتِ مَا يَحْجُرُ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>