للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أجازه رَجُلٌ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ، فَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ يَحْمِلُ ذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَيُجَوِّزُ بيع الموات بإحازة المسلم وإن لم يحييه، لأنه قد صار بالإجازة أَوْلَى بِهِ وَكَانَ غَيْرُهُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ يَمْنَعُ مِنْ بَيْعِ الْمَوَاتِ قَبْلَ الْإِحْيَاءِ، لِأَنَّ يَدَهُ قَدْ تُرْفَعُ إِنْ أَخَّرَ الْإِحْيَاءَ، وَتَأَوَّلُوا قَوْلَ الشَّافِعِيِّ إِذَا أَحَازَهُ رَجُلٌ فعبر عن الإحياء بالإحازة

[مسألة]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَمَنْ عَمِلَ فِي مَعْدِنٍ فِي الْأَرْضِ مَلَّكَهَا لِغَيْرِهِ فَمَا خَرَجَ مِنْهُ فَلِمَالِكِهَا وَهُوَ مُتَعَدٍّ بِالْعَمَلِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا مَلَكَ رجل معدناً ظاهراً أبو باطناً إما بإحياءه أَوْ بِمَغْنَمٍ حَصَلَ فِي سَهْمِهِ أَوْ بِإِقْطَاعٍ، وَقِيلَ يَجُوزُ إِقْطَاعُهُ وَاسْتِدَامَةُ مِلْكِهِ فَلَيْسَ لِغَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ أَنْ يُشَارِكَهُ فِيهِ وَلَا أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مِنْهُ، فَإِنْ فَعَلَ كَانَ مُتَعَدِّيًا فِي حُكْمِ الْغَاصِبِ يَسْتَرْجِعُ مِنْهُ مَا أَخَذَهُ إِنْ كَانَ بَاقِيًا، وَيَغْرَمُ إِنْ كَانَ تَالِفًا بمثل ماله مِثْلٌ وَبِقِيمَةِ مَا لَيْسَ لَهُ مِثْلٌ، وَلَا أُجْرَةَ لَهُ فِي عَمَلِهِ لِتَعَدِّيهِ بِهِ، وَمَنْ تَعَدَّى فِي عَمَلٍ لَهُ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ عِوَضًا، وَعَلَيْهِ غُرْمُ مَا أَفْسَدَ مِنَ الْمَعْدِنِ بِعَمَلِهِ، وَكَانَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّيْمَرِيُّ يَرَى أَنْ لَا تعزيز عَلَيْهِ، تَعْلِيلًا بِأَنَّ أَصْلَ الْمَعْدِنِ قَدْ كَانَ مباحاً فصارت شبهة، والذي أرى أن يعزر وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ مُبَاحًا قَبْلَ الْمِلْكِ كَمَا يُقْطَعُ فِي سَرِقَةِ الْأَمْوَالِ الْمَمْلُوكَةِ وَإِنْ كَانَتْ عن أصول مباحة.

[مسألة]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَإِنْ عَمِلَ بِإِذْنِهِ أَوْ عَلَى أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ عَمَلِهِ فَهُوَ لَهُ فسواءٌ وَأَكْثَرُ هَذَا أَنْ يَكُونَ هِبَةً لَا يَعْرِفُهَا الْوَاهِبُ وَلَا الْمَوْهُوبُ لَهُ وَلَمْ يَجُزْ وَلَمْ يَقْبِضْ وللإذن الخيار في أن يتم ذلك أَوْ يُرَدَّ وَلَيْسَ كَالدَّابَّةِ يَأْذَنُ فِي رُكُوبِهَا لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِمَا أَعْطَاهُ وَقَبَّضَهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا مَلَكَ مَعْدِنًا فِي أَرْضٍ أَحْيَاهَا أَوِ اشْتَرَاهَا فَظَهَرَ فِيهَا ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا عَمِلَ فِيهِ فَأَخْرَجَ مِنْهُ قِطَعًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ عَمِلَ بِإِذْنِهِ أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَهُوَ متعدٍ بِذَلِكَ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ وَمَا أَخْرَجَهُ فَلِصَاحِبِهِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِإِذْنِهِ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ عَلَى أَنْ يُخْرِجَهُ الْعَامِلُ لِنَفْسِهِ أَوْ لَهُ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ عَلَى أَنْ يُخْرِجَهُ لَهُ فَمَا يُخْرِجُهُ يَكُونُ له، وهل للعامل الأجرة أم لا يكون؟ يَحْكُمُ فِيهِ كَالْحَاكِمِ فِي الْغَسَّالِ إِذَا أَعْطَاهُ الثَّوْبَ لِيَغْسِلَهُ فَغَسَلَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْتَرِطَ لَهُ أُجْرَةً وَأَمَّا إِذَا أَذِنَ لَهُ عَلَى أَنَّ مَا يُخْرِجُهُ الْعَامِلُ فَلِنَفْسِهِ دُونَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهَا هِبَةٌ مَجْهُولَةٌ، وَالْمَجْهُولُ لَا يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ وَكُلُّ مَا يُخْرِجُهُ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ عَلَى صَاحِبِ الْمَعْدِنِ إِلَّا أَنْ يَسْتَأْنِفَ لَهُ هِبَةً بَعْدَ الْإِخْرَاجِ وَيُقْبِضَهُ إِيَّاهُ وَلَا أُجْرَةَ لِلْعَامِلِ، لِأَنَّهُ عَمِلَ لِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا تَثْبُتُ لَهُ الْأُجْرَةُ إِذَا عَمِلَ لِغَيْرِهِ بِإِجَارَةٍ صَحِيحَةٍ أَوْ فَاسِدَةٍ.

فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ إِذَا قَارَضَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْعَامِلِ فَعَمِلَ وَرَبِحَ، فَإِنَّ الرِّبْحَ يَكُونُ لِرَبِّ الْمَالِ وَأُجْرَةَ الْمِثْلِ لِلْمُقَارِضِ، وَهَا هُنَا قَدْ عَمِلَ لِنَفْسِهِ، لِأَنَّهُ شَرَطَ جَمِيعَ الرِّبْحِ.

فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا عَمِلَ لِغَيْرِهِ، لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ لَيْسَ لَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>