للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَمَرَهُ بِأَنْ يَحْبِسَ الْأُصُولَ، وَعِنْدَ الْمُخَالِفِ لَا يَقَعُ تَحْبِيسُ الْأَصْلِ بِحَالٍ، فَإِنْ قِيلَ: بَلْ يَصِحُّ مِنْهُ، لِأَنَّهُ يَقِفُ وَيَرْفَعُ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى يَحْكُمَ بِهِ، فَإِذَا حَكَمَ بِهِ لَزِمَ قِيلَ: فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ اللُّزُومُ مِنْ جِهَتِهِ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْحَاكِمِ بِالْحُكْمِ، كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ مَسَائِلِ الْخِلَافِ، وَعَلَى أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ عُمَرَ رَفَعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَحَكَمَ بِهِ، وَلَوْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ لَنُقِلَ، لِأَنَّهُ أَوْلَى بِالنَّقْلِ مِنْ غَيْرِهِ.

وَالتَّعَلُّقُ الثَّانِي: بِالْخَبَرِ أَنَّ عُمَرَ جَعَلَهَا صَدَقَةً ثُمَّ ذَكَرَ أَحْكَامَهَا فَقَالَ: لَا تُبَاعُ، وَلَا تُوهَبُ، وَلَا تُورَثُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَحْكَامَ تَتَعَلَّقُ بِهَا إِذَا صَارَتْ صَدَقَةً وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِهَا الْحَاكِمُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ، لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيًّا، وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرَ، وَأَنَسًا، وَأَبَا الدَّرْدَاءِ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَفَاطِمَةَ وَغَيْرَهُمْ وَقَفُوا دُورًا وَبَسَاتِينَ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ رَجَعَ فِي وَقْفِهِ فَبَاعَ مِنْهُ شَيْئًا وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ وَرَثَتِهِمْ مَعَ اخْتِلَافِ هَمِّهِمْ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا لَنُقِلَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمُ الرُّجُوعُ.

وَمِنَ الْقِيَاسِ: أَنَّهُ تَصَرُّفٌ يَلْزَمُ بِالْوَصِيَّةِ فَجَازَ أَنْ يَلْزَمَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ مِنْ غَيْرِ حُكْمِ الْحَاكِمِ.

أَصْلُهُ: إِذَا بَنَى مَسْجِدًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ غَيْرِ حُكْمِ الْحَاكِمَ، وَقَدْ قَالَ أبو حنيفة: إِذَا أُذِنَ لِقَوْمٍ فَصَلّوا فِيهِ صَارَ مَحْبِسًا وَثَبَتَ وَقْفُهُ، وَكَذَلِكَ إِذَا عَمِلَ مَقْبَرَةً وَأَرَادَ أَنْ يَقِفَهَا فَأَذِنَ لِقَوْمٍ فَدَفَنُوا فِيهَا ثَبَتَ الْوَقْفُ، وَلِأَنَّهُ إِزَالَةُ مِلْكٍ يَلْزَمُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَجَازَ أَنْ يَلْزَمَ بِغَيْرِ حُكْمِهِ.

أَصْلُهُ: سَائِرُ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفِ الَّتِي تُزِيلُ الْمِلْكَ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَرَادَ حَبْسَ الزَّانِيَةِ، وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعِلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) {النساء: ١٥) وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - السَّبِيلَ فَقَالَ الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مائةٍ وَتَغْرِيبُ عامٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مائةٍ وَالرَّجْمُ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مَا يُنَبِّهُ فِي آخَرَ وَهُوَ قَوْلُهُ: {إنَّ اللهَ أعْطَى كُلّ ذِي حِقٍ حَقَّهُ فَلاَ وَصِيَّة لِوَارِثٍ} فكأنه قَالَ: لَا يُحْبَسُ عَنْ وَارِثٍ شَيْءٌ جَعَلَهُ اللَّهُ لَهُ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: فَهُوَ أَنَّ ذَلِكَ الْحَائِطَ مَا كَانَ لَهُ إِنَّمَا كَانَ لِأَبَوَيْهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ رُوِيَ عَنِ الْخَبَرِ " مَاتَا فَوَرِثَهُمَا ".

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ شُرَيْحٍ فَهُوَ أَنْ نَقُولَ: هَذَا مُرْسَلٌ، لِأَنَّ شُرَيْحًا تَابِعِيٌّ، وَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>