للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ما شاء زيد، وهكذا لو قَالَ وَقَفْتُهُ عَلَى مَا شَاءَ زَيْدٌ، كَانَ بَاطِلًا، وَهَكَذَا لَوْ قَالَ وَقَفْتُهُ فِيمَا شَاءَ اللَّهُ، كَانَ بَاطِلًا، لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَشِيئَةَ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ، فَلَوْ قَالَ: وَقَفْتُهُ عَلَى مَنْ شِئْتُ، أَوْ فِيمَا شِئْتُ، فَإِنْ كَانَ قَدْ تَعَيَّنَ لَهُ مَنْ شَاءَ، أَوْ مَا شَاءَ عِنْدَ وَقْفِهِ جَازَ، وَأَخَذَ بَيَانَهُ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّهُمْ إِذَا تَعَيَّنُوا لَهُ عِنْدَ مَشِيئَتِهِ فَالسَّبِيلُ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ وَاقِفِهِ يُؤْخَذُ بَيَانُهَا، وَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنُوا فَهِيَ مَجْهُولَةٌ كَوُرُودِ ذَلِكَ إِلَى مَشِيئَةِ غَيْرِهِ، فَهِيَ مَجْهُولَةٌ عِنْدَهُ، وَإِنْ كَانَتْ مُعَيَّنَةً عِنْدَ غَيْرِهِ، فَلَوْ قَالَ: وَقَفْتُ هَذِهِ الدَّارَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا فَفِي الْوَقْفِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: بَاطِلٌ وَهُوَ الْأَقْيَسُ لِلْجَهْلِ بِاسْتِحْقَاقِ الْمَصْرِفِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: جَائِزٌ وَفِي مَصْرِفِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهُمُ ابْنُ سريج.

أحدهما: وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصْرِفُ إِلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، لِأَنَّ مَقْصُودَ الْوَقْفِ الْقُرْبَى، وَمَقْصُودَ الْقُرْبَى فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ وَصَّى بِإِخْرَاجِ ثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي أَيِّ الْجِهَاتِ صَرَفَ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَيَكُونُ أَقْرَبُ النَّاسِ نَسَبًا وَدَارًا مِنْ ذَوِي الْحَاجَةِ أَحَقَّ بِهَا.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَصْرِفُ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ وَالْبَرِّ لِعُمُومِ النَّفْعِ بِهَا.

وَالثَّالِثُ: وَهُوَ مَذْهَبٌ لَهُ أَنَّ الْأَصْلَ وَقْفٌ وَالْمَنْفَعَةُ لَهُ، وَلِوَرَثَتِهِ، وَوَرَثَةِ وَرَثَتِهِ مَا بَقَوْا، فَإِذَا انْقَرَضُوا كَانَتْ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَكَأَنَّهُ وَقَفَ الْأَصْلَ وَاسْتَبْقَى الْمَنْفَعَةَ لِنَفْسِهِ وَلِوَرَثَتِهِ.

وَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ قَالَ وَقَفْتُهَا على من يولد لي وليس له ولداً يَجُوزُ.

قِيلَ لَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ مَعَ الْإِطْلَاقِ قَدْ يَحْمِلُ بِالْعُرْفِ عَلَى جِهَةٍ مَوْجُودَةٍ وَمَعَ تَعْيِينِ الْحَمْلِ قَدْ حَمَلَهُ عَلَى جِهَةٍ غَيْرِ مَوْجُودَةٍ.

فَلَوْ قَالَ: وَقَفْتُهَا عَلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ جَمِيعِ الْخَلْقِ أَوْ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَهُوَ وَقْفٌ بَاطِلٌ لِعِلَّتَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْوَقْفَ مَا كَانَ سَبِيل مَخْصُوص الْجِهَاتِ لِتُعْرَفَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ هَذَا.

وَالْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَ هَذَا الشَّرْطِ، وَلَوْ وَقَفَهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ جَازَ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ وَقْفُهَا إِلَى جَمِيعِهِمْ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْجِهَةَ مَخْصُوصَةٌ.

وَالثَّانِي: أَنَّ عُرْفَ الشَّرْعِ فِيهِمْ لَا يُوجِبُ اسْتِيعَابَ جَمِيعِهِمْ كَالزَّكَاوَاتِ، وَلَوْ وَقَفَهَا عَلَى قَبِيلَةٍ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ جَمِيعِهِمْ كَوَقْفِهِ إِيَّاهَا عَلَى رَبِيعَةَ أَوْ مُضَرَ أَوْ عَلَى بَنِي تَمِيمٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْوَقْفَ بَاطِلٌ تَعْلِيلًا بأن استيفاء جميعهم غير ممكن وليس في الشَّرْع لَهُمْ عُرْف.

<<  <  ج: ص:  >  >>