للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَصْلٌ

: هِبَةُ الْمَرِيضِ فِي الثُّلُثِ، فَإِنِ احْتَمَلَهَا الثُّلُثُ أُمْضِيَتْ وَإِلَّا رُدَّتْ، لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ، وَإِنِ احْتَمَلَ الثُّلُثُ بَعْضَهَا أَمْضَى مِنْهَا قَدْرَ مَا احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ إِلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْوَارِثُ فَيَصِحَّ فِي الْجَمِيعِ، فَلَوْ وَهَبَ فِي الصِّحَّةِ وَأُقْبِضَ فِي الْمَرَضِ فَهِيَ هِبَةٌ فِي الْمَرَضِ، لِأَنَّهَا بِالْقَبْضِ فِيهِ تَمَّتْ فَلَوِ اخْتَلَفَا فَقَالَ وَارِثُ الْوَاهِبِ هِيَ فِي الْمَرَضِ وَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فِي الصِّحَّةِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ مع يمينه، لأن الأصل فيها عدم الزوم، فَلَوْ مَاتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَفِيهَا قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ وَارِثَهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إِقْبَاضِهَا بِالْعَقْدِ الْمَاضِي أَوِ الْمَنْعِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْعَقْدَ قَدْ بَطَلَ بِالْمَوْتِ، فَإِنْ أَحَبَّ إِمْضَاءَ الْهِبَةِ استأنف عقداً وقبضاً.

فَصْلٌ

: وَإِذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ فَوَهَبَ لَهُ أَهْلُهَا هِبَةً قَبِلَهَا وَقَبَضَهَا، وَلَمْ يَغْنَمْهَا الْمُسْلِمُونَ إِنْ ظَفِرُوا بِهَا، وَفَرَّقَ أبو حنيفة بَيْنَ مَا يُنْقَلُ مِنْهَا وَمَا لَا يُنْقَلُ، فَجَعَلَ مَا يُنْقَلُ مَمْلُوكًا وَمَا لَا يُنْقَلُ مَغْنُومًا، اسْتِدْلَالًا بِمَا رَوَى عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ مَنَحَهُ الْمُشْرِكُونَ أَرْضًا فَلَا أَرْضَ لَهُ وَهَذَا إِنْ صَحَّ عَنْهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْعَارِيَةِ دُونَ الْهِبَةِ.

فَصْلٌ

: هِبَةُ دُورِ مَكَّةَ وَعَقَارِهَا يَجُوزُ بِخِلَافِ قَوْلِ أبي حنيفة بِنَاءً عَلَى الْبَيْعِ، فَأَمَّا إِجَارَتُهَا لِلْحُجَّاجِ فَيَجُوزُ هِبَتُهَا إِنْ جَازَ بَيْعُهَا، وَأُبْطِلَ إن لم يجز بيعها.

فَصْلٌ

: هِبَةُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ، وَلِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ يَجُوزُ، لِأَنَّ هِبَتَهُ لِمَنْ هُوَ عَلَيْهِ إِبْرَاءٌ وَلِغَيْرِهِ تَمْلِيكٌ، وَهِبَةُ الْمَنَافِعِ عَارِيَةٌ لَا تَلْزَمُ، لِأَنَّ قَبْضَهَا قبل انقضائها لا يصح.

[مسألة]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " (قَالَ) وَتَجُوزُ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ عَلَى كُلِّ أحدٍ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ لَا يَأْخُذُهَا لَمَّا رَفَعَ اللَّهُ مِنْ قَدْرِهِ وَأَبَانَهُ مِنْ خَلْقِهِ إِمَّا تَحْرِيمًا وَإِمَّا لِئَلَّا يَكُونَ لأحدٍ عَلَيْهِ يدٌ لِأَنَّ مَعْنَى الصَّدَقَةِ لَا يُرَادُ ثَوَابُهَا وَمَعْنَى الْهَدِيَّةِ يُرَادُ ثَوَابُهَا وَكَانَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَرَأَى لَحْمًا تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بُرَيْرَةَ فَقَالَ " هُوَ لَهَا صدقةٌ وَلَنَا هديةٌ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْمَقْصُودُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَصْلَانِ مَضَيَا.

أَحَدُهُمَا: تَحْرِيمُ الصَّدَقَاتِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ.

وَالثَّانِي: إِبَاحَةٌ لِصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَقَدْ بَيَّنَاهُ فَلَمْ يَكُنْ لِلْإِطَالَةِ بِتَكْرَارِهِمَا وَجْهٌ مَعَ مَا حَصَلَ مِنْ إِطَالَةِ الِاسْتِيفَاءِ، فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ فَتَحْرُمُ عَلَى الْغَنِيِّ وَإِنْ حَلَّتْ لَهُ الصَّدَقَةُ، رَوَى عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا مِنْ فقرٍ مدقعٍ أَوْ غرمٍ مفظعٍ أَوْ دمٍ مولعٍ " وبالله التوفيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>