للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِمَّا لِقُوَّةِ جِسْمِهِ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ والحمير وأما لبعد أثره كالغزال والأرانب والطير فبهذا النَّوْعِ لَا يَجُوزُ لِوَاجِدِهِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِأَخْذِهِ إِذَا لَمْ يَعْرِفْ مَالِكَهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في ضوال الإبل مالك وَلَهَا مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ ذَرْهَا حَتَّى تَلْقَى رَبَّهَا، وَلِأَنَّهَا تَحْفَظُ أَنْفُسَهَا فَلَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهَا حَظٌّ فِي أَخْذِهَا، فَإِنْ أَخَذَهَا لَمْ يَخْلُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَأْخُذَهَا لُقَطَةً لِيَمْتَلِكَهَا إِنْ لَمْ يأتي صَاحِبُهَا فَهَذَا مُتَعَدٍّ وَعَلَيْهِ ضَمَانُهَا فَإِنْ أَرْسَلَهَا لَمْ يَسْقُطِ الضَّمَانُ. وَقَالَ أبو حنيفة وَمَالِكٌ قَدْ سَقَطَ الضَّمَانُ عَنْهُ بِالْإِرْسَالِ بِنَاءً عَلَى مَنْ تَعَدَّى فِي وَدِيعَةٍ ثُمَّ كَفَّ عَنِ التَّعَدِّي فَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ عَنْهُ وَعِنْدَنَا لَا يَسْقُطُ فَإِنْ لَمْ يُرْسِلْهَا وَلَكِنْ دَفَعَهَا إِلَى مَالِكِهَا فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ ضَمَانُهَا بِأَدَائِهَا إِلَى مُسْتَحِقِّهَا وَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى الْحَاكِمِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْمَالِكِ فَفِي سُقُوطِ الضَّمَانِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: قَدْ سَقَطَ لِأَنَّ الْحَاكِمَ نَائِبٌ عَمَّنْ غَابَ وَالثَّانِي لَا يَسْقُطُ لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ لِحَاضِرٍ لَا يولى عليه.

والحالة الثَّانِيَةُ: أَلَّا يَأْخُذَهَا لُقَطَةً وَلَكِنْ يَأْخُذُهَا حِفْظًا عَلَى مَالِكِهَا فَإِنْ كَانَ عَارِفًا بِمَالِكِهَا لَمْ يَضْمَنْ وَيَدُهُ يَدُ أَمَانَةٍ حَتَّى تَصِلَ إِلَى الْمَالِكِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَارِفٍ لِلْمَالِكِ فَفِي وُجُوبِ الضَّمَانِ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا ضَمَانَ لِأَنَّهُ مِنَ التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: عَلَيْهِ الضَّمَانُ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى غَائِبٍ فَإِنْ كَانَ وَالِيًا كَالْإِمَامِ أَوِ الْحَاكِمِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَتْ لَهُ حَظِيرَةٌ يَحْظُرُ فِيهَا ضَوَالَّ الْإِبِلِ فَهَذَا حُكْمُ أَحَدِ الضَّرْبَيْنِ.

فَصْلٌ:

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَا لَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَيَعْجِزُ عَنِ الْوُصُولِ إِلَى الْمَاءِ وَالرَّعْيِ كَالْغَنَمِ وَالدَّجَاجِ فَلَوْ أَخَذَهُ فَأَكَلَهُ فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا فَعَلَيْهِ غُرْمُهُ لِمَالِكِهِ إِنْ وَجَدَهُ وَبِهِ قَالَ أبو حنيفة وَقَالَ مَالِكٌ وَدَاوُدُ هُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَيَأْكُلُهُ أَكْلَ إِبَاحَةٍ وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ فِي اسْتِهْلَاكِهِ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ " وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا اسْتَهْلَكَهُ الذِّئْبُ هَدَرٌ لَا يُضْمَنُ وَإِنَّمَا أَرَادَ بَيَانَ حُكْمِ الْأَخْذِ فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ وَلِأَنَّ مَا اسْتَبَاحَ أَخْذَهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ إِذَا لَمْ يَلْزَمْهُ تَعْرِيفُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ غُرْمُهُ كَالدَّرَاهِمِ. وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ " وَلِأَنَّهَا لُقَطَةٌ يَلْزَمُهُ رَدُّهَا مَعَ بقائها فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ غُرْمُهَا عِنْدَ اسْتِهْلَاكِهَا قِيَاسًا عَلَى اللُّقَطَةِ فِي الْأَمْوَالِ وَلِأَنَّهَا ضَالَّةٌ فَوَجَبَ أَنْ تُضْمَنَ بِالِاسْتِهْلَاكِ كَالْإِبِلِ فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " هِيَ لَكَ أَوْ لِأَخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ " فَهُوَ أَنَّهُ نَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى إِبَاحَةِ الْأَخْذِ وَجَوَازِ الْأَكْلِ دُونَ الْغُرْمِ وَأَمَّا الرِّكَازُ فَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ رَدُّهُ فَلِذَلِكَ سَقَطَ غُرْمُهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الشَّاةُ لِأَنَّ رَدَّهَا وَاجِبٌ فَصَارَ غُرْمُهَا وَاجِبًا.

فَصْلٌ:

فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ أَخْذِ الشَّاةِ وَمَا لَا يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِبَاحَةِ أَكْلِهِ وَوُجُوبِ غرمه

<<  <  ج: ص:  >  >>