للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنْهَا مُوسِرًا عَلَى قَوْلِ أبي حنيفة فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْفَقْرَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِيهَا وَأَنَّ الْغَنِيَّ لَا يُمْنَعُ مِنْهَا وَرَوَى عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه وَجَدَ دِينَارًا فَأَتَى بِهِ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَجَدْتُ هَذَا الدِّينَارَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَرِّفْهُ ثَلَاثًا فَعَرَّفَهُ ثَلَاثًا فَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهُ فَرَجَعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: كُلْهُ أَوْ سَائِلْ بِهِ فَابْتَاعَ مِنْهُ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ شَعِيرًا وَبِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ تَمْرًا وَقَضَى عَنْهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَابْتَاعَ بِدِرْهَمٍ لَحْمَا وَبَدِرْهَمٍ زَيْتًا وَكَانَ الصَّرْفُ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ حَتَّى إِذَا أَكَلَهُ جَاءَ صَاحِبُ الدِّينَارِ يَتَعَرَّفُهُ فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِأَكْلِهِ فَانْطَلَقَ صَاحِبُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَذَكَرَ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذَا جَاءَنَا شَيْءٌ أَدَّيْنَاهُ إِلَيْكَ " وَكَانَ صَاحِبُ الدِّينَارِ يَهُودِيًّا.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَعَلِيٌّ مِمَّنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ لِأَنَّهُ مِنْ طِينَةِ بَنِي هَاشِمٍ وَلَوْ كَانَتِ اللُّقَطَةُ تُسْتَبَاحُ بِالْفَقْرِ دُونَ الْغِنَى لَحَظَرَهَا عَلَيْهِ وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الِالْتِقَاطِ جَازَ أَنْ يَرْتَفِقَ بِالْأَكْلِ وَالتَّمَلُّكِ كَالْفَقِيرِ وَلِأَنَّ مَا ثَبَتَ لِلْفَقِيرِ فِي اللُّقَطَةِ ثَبَتَ لِلْغَنِيِّ كَالنُّسُكِ وَالصَّدَقَةِ. وَلِأَنَّ كُلَّ مَا اسْتَبَاحَ الْفَقِيرُ إِتْلَافَهُ بِشَرْطِ الضَّمَانِ اسْتَبَاحَ الْغَنِيُّ إِتْلَافَهُ بِشَرْطِ الضَّمَانِ كَالْقَرْضِ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ طَعَامُ الْمُضْطَرِّ لِاسْتِوَائِهِمَا فِيهِ وَقَدْ جَعَلَ الْمُضْطَرَّ أَصْلًا فَيَقُولُ كُلُّ ارْتِفَاقٍ بِمَالِ الْغَيْرِ إِذَا كَانَ مَضْمُونًا اسْتَوَى فِيهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ كَأَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ لِلْمُضْطَرِّ؛ وَلِأَنَّهُ اسْتَبَاحَ إِتْلَافَ مَالِ الْغَيْرِ لِمَعْنًى فِي الْمَالِ فَوَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ فِيهِ حُكْمُ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ كَالنَّحْلِ الصَّائِلِ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ مَا اسْتُبِيحَ تَنَاوُلُهُ عِنْدَ الْإِيَاسِ فِي الْأَغْلَبِ مِنْ مَالِكِهِ اسْتَوَى فِيهِ حُكْمُ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ كَالرِّكَازِ وَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُو حَالُ اللُّقَطَةِ فِي يَدِ وَاجِدِهَا مِنْ أَنْ تَكُونَ فِي حُكْمِ الْمَغْصُوبِ فَيَجِبُ انْتِزَاعُهَا قَبْلَ الْحَوْلِ وَبَعْدَهُ مِنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ أَوْ فِي حُكْمِ الْوَدَائِعِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا فَقِيرٌ وَلَا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا غَنِيٌّ أَوْ حُكْمِ الْكَسْبِ فَيَجُوزُ أَنْ يَتَمَلَّكَهَا الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ. وَمَذْهَبُ أبي حنيفة فِيهَا مُخَالِفٌ لِأُصُولِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ الثَّلَاثَةِ فَكَانَ فَاسِدًا.

ثُمَّ يُقَالُ لأبي حنيفة، الثَّوَابُ إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْمَقَاصِدِ بِالْأَعْمَالِ لَا عَلَى أَعْيَانِ الْأَفْعَالِ لِأَنَّ صُوَرَهَا فِي الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ عَلَى سَوَاءٍ كَالْمُرَائِي بِصَلَاتِهِ ثُمَّ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ثَوَابُ الْعَمَلِ مَوْقُوفًا عَلَى غَيْرِ الْعَامِلِ فِي اسْتِحْقَاقِهِ وَإِحْبَاطِهِ فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " تَصَدَّقْ بِهَا " فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الْوَاجِدَ سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَذِنَ لَهُ فِيهِ.

وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَلَا مَعْنَى لِلْجَمْعِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللُّقَطَةِ لِأَنَّ الزكاة تملك غير مضمون ببدل واللقطة تأخذ مَضْمُونَةً بِبَدَلٍ فَكَانَ الْغَنِيُّ أَحَقَّ بِتَمَلُّكِهَا لِأَنَّهُ أَوْفَى ذِمَّةً وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْمُضْطَرِّ فَقَدْ جَعَلْنَاهُ أَصْلًا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

مَسْأَلَةٌ:

قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ تَرْكَ لُقَطَةٍ وَجَدَهَا إِذَا كَانَ أَمِينًا عَلَيْهَا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ. وَظَاهِرُ قَوْلِهِ هَا هُنَا وَلَا أُحِبُّ تَرْكَ اللقطة يقتضي

<<  <  ج: ص:  >  >>