للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذمته ولو اتفقنا عَلَى الْإِذْنِ بِالْأَجْرِ فِي عَيْنِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ بِرَدِّهِ وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ عَبَدَهُ سَالِمًا وَادَّعَى الْآخَرُ نَفْيَهُ فَقَالَ الْمَالِكُ بَلْ فَعَلْتُ ذَلِكَ فِي عَبْدِي غَانِمٌ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْإِذْنَ فيه وإن اعترف به في غيره.

[مسألة:]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ إِنْ جِئْتَنِي بِعَبْدِي فَلَكَ كَذَا وَلَآخَرَ مِثْلُ ذَلِكَ وَلِثَالِثٍ مِثْلُ ذَلِكَ فَجَاءُوا بِهِ جَمِيعًا فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُ مَا جَعَلَهُ لَهُ اتَّفَقَتِ الْأَجْعَالُ أَوِ اخْتَلَفَتْ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْجَعَالَةُ فَمِنَ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ دُونَ اللَّازِمَةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زعيم} وَهِيَ تُفَارِقُ الْإِجَارَةَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا جَوَازُ عَقْدِهَا عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ كَقَوْلِهِ مَنْ جَاءَ بِعَبْدِي الْآبِقِ فَلَهُ دِينَارٌ وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مَجْهُولَ الْمَكَانِ وَفَسَادُ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الْإِجَارَةِ وَالثَّانِي أَنَّ الْجَعَالَةَ غَيْرُ لَازِمَةٍ وَالْإِجَارَةَ لَازِمَةٌ وَالثَّالِثُ أَنَّهَا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَقَوْلِهِ مَنْ جَاءَنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ فَلَهُ دِينَارٌ وَإِنْ لَمْ يُعَيَّنِ الْجَائِي بِهِ فَأَيُّ النَّاسِ جَاءَ بِهِ فَلَهُ الدِّينَارُ وَالْإِجَارَةُ لَا تَصِحُّ إِلَّا مَعَ مَنْ يَتَعَيَّنُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا فَارَقَتِ الْإِجَارَةَ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ عَلَى التَّعَاوُنِ وَالْإِرْفَاقِ فَكَانَتْ شُرُوطُهَا أَخَفَّ وَحُكْمُهَا أَضْعَفَ.

فَصْلٌ:

فَلَوْ قَالَ مَنْ جَاءَنِي بِعَبْدِي الْآبِقِ فَلَهُ دِينَارٌ فَأَيُّ النَّاسِ جَاءَ بِهِ اسْتَحَقَّ الدِّينَارَ مِنْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ حر أو عبد مسلم أو كافر صغيرا أو كبيرا عاقلا أو مجنونا إِذَا كَانَ قَدْ سَمِعَ النِّدَاءَ أَوْ عَلِمَ بِهِ لِدُخُولِهِمْ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ مَنْ جَاءَنِي فَلَوْ جَاءَ الْعَبْدُ بِنَفْسِهِ عِنْدَ عِلْمِهِ بِهَذَا الْقَوْلِ مِنْ سَيِّدِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ شَيْئًا لِأَنَّ الْجُعْلَ عَلَيْهِ لَا لَهُ فَلَوْ جَاءَ بِهِ مَنْ لَمْ يَسْمَعِ النِّدَاءَ وَلَا عَلِمَ بِهِ كَانَ مُتَطَوِّعًا بِحَمْلِهِ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ فَلَوْ عَلِمَ بِالنِّدَاءِ بَعْدَ الْمَجِيءِ بِهِ وَقَبْلَ دَفْعِهِ إِلَى سَيِّدِهِ اسْتَحَقَّ الدِّينَارَ لِأَنَّ السَّامِعَ لِلنِّدَاءِ لَوْ جَاءَ بِهِ مِنْ أَقْرَبِ الْمَوَاضِعِ أو أبعدها استحقه فكذلك فَلَوْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ الْجَائِي بِهِ فِي طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ كَانَ مُتَطَوِّعًا بِالنَّفَقَةِ وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ الدِّينَارِ فَلَوْ جَاءَ بِالْعَبْدِ وَهُوَ مَرِيضٌ أَوْ فِي قَبْضَةِ حَيَاتِهِ اسْتَحَقَّ الدِّينَارَ لِأَنَّهُ مَبْذُولٌ عَلَى حَمْلِهِ فَلَوِ اخْتَلَفَ الْعَبْدُ وَحَامِلُهُ فَقَالَ الْعَبْدُ جِئْتُ بِنَفْسِي وَقَالَ حَامِلُهُ بَلْ أَنَا جِئْتُ بِهِ رَجَعَ إِلَى تَصْدِيقِ السَّيِّدِ فَإِنْ صَدَّقَ الْحَامِلَ لَمْ يُعْتَبَرْ إِنْكَارُ الْعَبْدِ وَاسْتَحَقَّ الدِّينَارَ وَإِنْ صَدَقَ الْعَبْدُ حَلَفَ السَّيِّدُ، دُونَ الْعَبْدِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلَوِ اخْتَلَفَ السَّيِّدُ وَحَامِلُ الْعَبْدِ فَقَالَ السَّيِّدُ فَلَمَّا لَمْ تَسْمَعِ النِّدَاءَ فَلَا شَيْءَ لَكَ وَقَالَ الْحَامِلُ بَلْ سَمِعْتُهُ وَعَلِمْتُ بِهِ فَلِي الدِّينَارُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الحامل وله الدينار لأن علمه بالشي يَرْجِعُ فِيهِ إِلَيْهِ لَا إِلَى غَيْرِهِ فَلَوْ قَالَ سَيِّدُ الْعَبْدِ مَنْ جَاءَنِي بِعَبْدِي مِنْ سَامِعِي نِدَائِي هَذَا فَلَهُ دِينَارٌ فَجَاءَ بِهِ مَنْ عَلِمَ بِنِدَائِهِ وَلَمْ يَسْمَعْهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا وَلَوْ قَالَ الْجَائِي بِهِ سَمِعْتُ النِّدَاءَ وَقَالَ السَّيِّدُ لَمْ تَسْمَعْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَائِي بِهِ أَيْضًا.

فَصْلٌ:

فَلَوْ أَمَرَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ فَنَادَى مَنْ جَاءَ بِعَبْدِي فُلَانٍ فَلَهُ دِينَارٌ كَانَ نِدَاءُ الْمُنَادِي كَنِدَاءِ السَّيِّدِ فِي وُجُوبِ الدِّينَارِ عَلَيْهِ لِحَامِلِ عَبْدِهِ فَلَوْ أَنْكَرَ السَّيِّدُ أَمْرَ الْمُنَادِي بِذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ ثُمَّ يُنْظَرُ فِي الْمُنَادِي فَإِنْ قَالَ فِي نِدَائِهِ إِنَّ فُلَانًا قَالَ مَنْ جَاءَنِي بِعَبْدِي فَلَهُ دِينَارٌ فَلَا شَيْءَ

<<  <  ج: ص:  >  >>