للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: لَا يَكُونُ ذَلِكَ إِسْلَامًا لَهُ لِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ الْكُفْرَ بِنَفْسِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَاسْتَقَرَّ حكمه عليه.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا لِأَنَّهُ بِزَوَالِ الْعَقْلِ وَخُرُوجِهِ عَنْ حَدِّ التَّكْلِيفِ قَدْ صَارَ تَبَعًا فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَاهُ وَصَارَ الطِّفْلُ أَوِ الْمَجْنُونُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا ثُمَّ بَلَغَ الصَّبِيُّ وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ فَإِنْ أَقَامَا عَلَى الْإِسْلَامِ فَقَدِ اسْتَدَامَ حُكْمُ إِسْلَامِهِمَا وَإِنْ رَضِيَا الْكُفْرَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمَا وَصَارَا بِذَلِكَ مُرْتَدَّيْنِ يُقْتَلَانِ إِذَا أَقَامَا عَلَى الرِّدَّةِ سَوَاءٌ أَقَرَّا بِالْإِسْلَامِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ أَوْ لَمْ يُقِرَّا بِهِ.

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِنْ كَانَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ قَدْ أَقَرَّا بِالْإِسْلَامِ وَالْتَزَمَا حُكْمَهُ بِفِعْلِ عِبَادَتِهِ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ جَعَلْتُهُمَا مُرْتَدَّيْنِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ مِنْهُمَا لَمْ أَحْكُمْ بِرِدَّتِهِمَا لِأَنَّ جَرَيَانَ حُكْمِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِمَا تَبَعًا أَضْعَفُ مِنْ جَرَيَانِ حُكْمِهِ عَلَيْهِمَا إِقْرَارًا وَعَمَلًا وَهَذَا خطأ لقوله تعالى: {والذين آمنوا واتبعهم ذرياتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم} [الطور: ٢١] فَأَخْبَرَ بِإِيمَانِ الذُّرِّيَّةِ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَنْتَقِلَ حُكْمُ الْإِيمَانِ عَنْهُمْ وَلِأَنَّ مَا أَوْجَبَ إِسْلَامَهُ أَوْجَبَ إِلْزَامَهُ كَالْإِقْرَارِ فَهَذَا حُكْمُ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ.

فَصْلٌ:

وَالْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ يجري عليه حكم الإسم بِإِسْلَامِ السَّابِي لَهُ مِنْ بِلَادِ الشِّرْكِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ السَّبْيُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَا يَكُونُ بِإِسْلَامِ سَابِيهِ مُسْلِمًا وَيَكُونُ حُكْمُ الْكُفْرِ عَلَيْهِ جَارِيًا.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ سَبْيُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَسْبِيًّا مَعَ أَبَوَيْهِ أَوْ أَحَدِهِمَا فَلَا يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ سَابِيهِ لِأَنَّ إِلْحَاقَ حُكْمِهِ بِأَبَوَيْهِ أَقْوَى مِنْ إِلْحَاقِ حُكْمِهِ بِسَابِيهِ وَيَكُونُ عَلَى حُكْمِ الْكُفْرِ اسْتِصْحَابًا لِدِينِ أَبَوَيْهِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يُسْبَى وَحْدَهُ دُونَ أَبَوَيْهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إِنَّهُ لَا يَتْبَعُ سَابِيَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَيَكُونُ حُكْمُهُ فِي الشِّرْكِ حُكْمَ أَبَوَيْهِ لِأَنَّ يَدَ السَّابِي يَدُ اسْتِرْقَاقٍ فَلَمْ تُوجِبْ إِسْلَامَهُ كَالسَّيِّدِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَتْبَعُ السَّابِيَ فِي إِسْلَامِهِ لِأَنَّهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ تَبَعٌ لِغَيْرِهِ فَهُوَ أَخْرَجَهُ بِسَبْيِهِ عَنْ أَبَوَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ تَبَعًا لَهُمَا فَصَارَ تَبَعًا لِمَنْ صَارَ إِلَيْهِ بَعْدَهُمَا فَعَلَى هَذَا يَجْرِي عَلَيْهِ قَبْلَ بُلُوغِهِ أَحْكَامُ السَّابِي فِي الْعِبَادَاتِ وَالِاقْتِصَاصِ مِنَ الْمُسْلِمِ إِذَا جَنَى عَلَيْهِ وَإِذَا مَاتَ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَدُفِنَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ بَلَغَ وَاسْتَصْحَبَ الْإِسْلَامَ قَوْلًا وَعَمَلًا ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ صَارَ بِرُجُوعِهِ مُرْتَدًّا وَإِنْ وَصَفَ الْكُفْرَ عِنْدَ بُلُوغِهِ فَهَلْ يُحْكَمُ بِارْتِدَادِهِ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ مَضَى تَوْجِيهُهُمَا فَهَذَا حُكْمُ الْقِسْمِ الثَّانِي.

فَصْلٌ:

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ بِنَفْسِهِ إِقْرَارًا بِهِ وَاعْتِرَافًا بِشُرُوطِهِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>