للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ:

وَلَوِ ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَنَازِعَيْنِ فِيهِ أَنَّهُ وَلَدُهُ وَتَفَرَّدَ الْآخَرُ بِادِّعَاءِ الْكَفَالَةِ دُونَ الْوِلَادَةِ حُكِمَ بِهِ وَلَدًا لِمُدَّعِي نَسَبِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنَازَعٍ فِي نَسَبِهِ وَصَارَ أَوْلَى بِكَفَالَتِهِ لِأَنَّ الْوَالِدَ أَحَقُّ بِالْكَفَالَةِ مِنَ الْمُلْتَقِطِ وَهَكَذَا لَوِ اسْتَقَرَّتْ يَدُ الْمُلْتَقِطِ فِي الْكَفَالَةِ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ فَادَّعَاهُ وَلَدًا لَحِقَ بِهِ وَنُزِعَ مِنْ يَدِ مُلْتَقِطِهِ وَصَارَ مَنْ جَعَلْنَاهُ أَوْلَى بِكَفَالَتِهِ.

[مسألة:]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَدَعْوَةُ الْمُسْلِمِ وَالْعَبْدِ وَالذِّمِّيِّ سَوَاءٌ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، إِذَا تَدَاعَى نَسَبُ اللَّقِيطِ حر وعبد ومسلم ذمي فَهُمَا فِي دَعْوَةِ النَّسَبِ سَوَاءٌ تَدَاعَى كَالْحُرَّيْنِ وَكَالْمُسْلِمَيْنِ، وَقَالَ أبو حنيفة يُقَدَّمُ الْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ وَالْمُسْلِمُ عَلَى الْكَافِرِ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى " فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَكَافَأَ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ فِي الدَّعْوَى قَالَ وَلِأَنَّهُ لَمَّا أَجْرَى عَلَى اللَّقِيطِ حُكْمَ الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ صَارَ الْحُرُّ وَالْمُسْلِمُ أَقْوَى حَالًا مِنَ الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي الْحُكْمِ وَاشْتِرَاكِهِمَا فِي الصِّفَةِ وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ " فَأَثْبَتَ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ وَدُونَ الِاشْتِرَاكِ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالدِّينِ وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ إِذَا كَانَ مُنْفَرِدًا لَمْ يُدْفَعْ عَنْهَا إِذَا كَانَ مُنَازِعًا كَالْحُرَّيْنِ وَالْمُسْلِمَيْنِ وَلِأَنَّ كُلَّ دَعْوَى لَا يُمْنَعُ الذِّمِّيُّ مِنْهَا مَعَ الْبَيِّنَةِ لَمْ يَدْفَعِ الذِّمِّيُّ عَنْهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ كَالْمَالِ، فَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى " فَمِنْ عُلُوِّهِ الِانْقِيَادُ لِحُقُوقِ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى أَنَّ عُلُوَّهُ بِالْيَدِ وَنُفُوذِ الْحُكْمِ وَنَحْنُ نُجْرِي عَلَى الْوَلَدِ وَإِنْ لَحِقَ بِهِ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّهُ مُوَافِقٌ لِحَالِ الْحُرِّ وَالْمُسْلِمِ دُونَ الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ فَهَذَا فَاسِدٌ بِتَفَرُّدِ الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ بِادِّعَائِهِ وَبِمُسْلِمٍ وَكَافِرٍ تَنَازَعَا لَقِيطًا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَقَدْ أَجْرَى عَلَيْهِ حُكْمَ الشِّرْكِ فَإِنَّهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ وَلَا يَغْلِبُ الْكَافِرُ عَلَى الْمُسْلِمِ لِحُكْمِ الدَّارِ كَذَلِكَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ يَغْلِبُ الْمُسْلِمُ عَلَى الْكَافِرِ لِحُكْمِ الدَّارِ.

مَسْأَلَةٌ:

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ الله تعالى: " غَيْرَ أَنَّ الذِّمِّيَّ إِذَا ادَّعَاهُ وَوُجِدَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَلْحَقْتُهُ بِهِ أَحْبَبْتُ أَنْ أَجْعَلَهُ مُسْلِمًا فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَأَنْ آمُرَهُ إِذَا بَلَغَ بِالْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ إِجْبَارٍ (وَقَالَ) فِي كِتَابِ الدَّعْوَى إِنَّا نَجْعَلُهُ مُسْلِمًا لِأَنَّا لَا نعلمه كما قال قال المزني عندي هذا أولى بالحق لأن من ثبت له حق لم يزل حقه بالدعوى فقد ثبت للإسلام أنه من أهله وجرى حكمه عليه بالدار فلا يزول حق الإسلام بدعوى مشرك قال الشافعي رحمه الله تعالى فإن أقام بينة أنه ابنه بعد أن عقل ووصف الإسلام ألحقناه به ومنعناه أن ينصره فإذا بلغ فامتنع من الإسلام لم يكن مرتدا نقتله وأحبسه وأخيفه رجاء رجوعه قال المزني رحمه الله قياس من جعله مسلما أن لا يرده إلى النصرانية ". قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي ذِمِّيٍّ ادَّعَى لَقِيطًا وَلَدًا وَأَلْحَقْنَاهُ بِهِ نَسَبًا فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>