للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُزَنِيُّ يُنْتَزَعُ مِنَ الْمُلْتَقِطِ وَيُسَلَّمُ إِلَيْهِ لِيَكْفُلَهُ وَعَلَى مَا أُرَاهُ أَوْلَى يُمْنَعُ مِنْهُ لِئَلَّا يَصِيرَ ذَرِيعَةً إِلَى اسْتِرْقَاقِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: ذَكَرَهُ الْمُزَنِيُّ فِي جَامِعِهِ الْكَبِيرِ إِنَّا نَحْكُمُ لَهُ بِرِقِّهِ مَعَ الشَّهَادَةِ لَهُ بِالْيَدِ بِخِلَافِ يَدِ الْمُلْتَقِطِ لِأَنَّ فِي إِقْرَارِ الْمُلْتَقِطِ بِأَنَّهُ لَقِيطٌ تَكْذِيبٌ لِشُهُودِهِ بِأَنَّ الْيَدَ مُوجِبَةٌ لِمِلْكِهِ وَلَيْسَ مِنْ غَيْرِ الْمُلْتَقِطِ إِقْرَارٌ يُوجِبُ هَذَا إِلَّا أَنَّ الْمُزَنِيَّ فِيمَا نَقَلَهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي جَامِعِهِ الْكَبِيرِ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ الْحُكْمِ بِالشَّهَادَةِ لَهُ بِالْيَدِ وَيَحْلِفُ أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ رَقِيقًا لَهُ فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَمْ أَرِقَّهُ لَهُ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي إِحْلَافِهِ مَعَ الْبَيِّنَةِ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوِ اسْتِحْبَابٌ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ وَاجِبٌ لِيَنْفِيَ بِهَا احْتِمَالَ الْيَدِ أَنْ تَكُونَ بِغَيْرِ مِلْكٍ فَإِنْ نَكَلَ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِرِقِّهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا اسْتِحْبَابٌ وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ لِأَنَّ الْيَدَ إِنْ أَوْجَبَتِ الْمِلْكَ أَغْنَتْهُ عَنِ الْيَمِينِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُنَازِعٌ وَإِنْ لَمْ تُوجِبِ الْمِلْكَ لَمْ يَكُنْ لِلشَّهَادَةِ بِهَا تَأْثِيرٌ وَلِأَنَّ فِي الْيَمِينِ مَعَ الْبَيِّنَةِ اعْتِلَالًا لِلشَّهَادَةِ.

فَصْلٌ:

فَلَوِ ادَّعَى الْمُلْتَقِطُ بُنُوَّةَ اللَّقِيطِ أُلْحِقَ بِهِ وَلَمْ يُكَلَّفْ بِبَيِّنَةٍ فَلَوِ ادَّعَى غَيْرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ رِقَّ اللَّقِيطِ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ الرِّقِّ وَالنَّسَبِ وَإِذَا أَقَامَهَا صَارَ ابْنًا لِلْمُلْتَقِطِ وَعَبْدًا لِلْآخَرِ لِإِمْكَانِ الْأَمْرَيْنِ وَيَكُونُ السَّيِّدُ أَوْلَى بِكَفَالَتِهِ مِنَ الْأَبِ.

مَسْأَلَةٌ:

قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: " وَإِذَا بَلَغَ اللَّقِيطُ فَاشْتَرَى وَبَاعَ وَنَكَحَ وَأَصْدَقَ ثُمَّ أَقَرَّ بِالرِّقِّ لِرَجُلٍ أَلْزَمْتُهُ مَا يَلْزَمُهُ قبل إقراره وفي إلزامه الرق قولان أحدهما أَنَّ إِقْرَارَهُ يَلْزَمُهُ فِي نَفْسِهِ وَفِي الْفَضْلِ من ماله عما لزمه ولا يصدق في حق غيره ومن قال أصدقه في الكل قال لأنه مجهول الأصل ومن قال القول الأول قاله في امرأة نكحت ثم أقرت بملك لرجل لا أصدقها على إفساد النكاح ولا ما يجب عليها للزوج وأجعل طلاقه إياها ثلاثا وعدتها ثلاث حيَض وفي الوفاة عدة أمة لأنه ليس عليها في الوفاة حق يلزمها له وأجعل ولده قبل الإقرار ولد حرة وله الخيار فإن أقام على النكاح كان ولده رقيقا وأجعل ملكها لمن أقرت له بأنها أمته " (قال المزني) رحمه الله " أَجْمَعَتِ الْعُلَمَاءُ أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِحَقٍّ لَزِمَهُ ومن ادعاه لم يجب له بدعواه وقد لزمتها حقوق بإقرارها فليس لها إبطالها بدعواها ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي لَقِيطٍ بَلَغَ فَجَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْأَحْرَارِ فِي عُقُودِهِ وَأَفْعَالِهِ اعْتِبَارًا بِظَاهِرِ حَالِهِ فِي الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ بِالْإِشْكَالِ سَوَاءٌ قِيلَ إِنَّهُ حُرٌّ فِي الظَّاهِرِ أَوْ مَجْهُولُ الْأَصْلِ فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُ وَجَرَتْ أَحْكَامُ الْحُرِّيَّةِ عَلَيْهِ ظَاهِرًا ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ فَادَّعَى رِقَّهُ وَأَنَّهُ عَبْدُهُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ لَهُ بِرِقِّهِ أَوْ لَا يَكُونُ فَإِنْ أَقَامَ بِرِقِّهِ بَيِّنَةً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ وَصْفِ الْبَيِّنَةِ حَكَمْنَا لَهُ بِرِقِّهِ وَأَجْرَيْنَا عَلَيْهِ أَحْكَامَ الْعَبِيدِ فِي الْمَاضِي مِنْ حَالِهِ وَفِي الْمُسْتَقْبَلِ فَمَا بَطَلَ مِنْ عُقُودِهِ الْمَاضِيَةِ بِالرِّقِّ أَبْطَلْنَاهُ وَمَا وَجَبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>