للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَتَى سُبَاطَةَ قومٍ فَبَالَ قَائِمًا، فَذَهَبْتُ أَتَنَحَّى عَنْهُ، فَجَذَبَنِي حَتَى كُنْتُ عِنْدَ عَقِبِهِ فَلَمَّا فَرَغَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ.

وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ قَالَ الْمَغِيرَةُ فَذَهَبْتُ مَعَهُ بماءٍ فَجَاءَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسَكَبْتُ عَلَيْهِ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ ذَهَبَ يُخْرِجُ يَدَيْهِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ مِنْ ضيقٍ كُمِّ جُبَّتِهِ فَأَخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتِ جُبَّتِهِ فَغَسَلَ يَدَيْهِ وَمَسَحَ رَأْسَهُ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عوفٍ قَدْ صَلَّى بِهِمْ ركعةٍ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَعَهُمُ الرَّكْعَةَ الَتِي بَقِيَتْ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ فَأَتَمَّ صَلَاتَهُ فَفَرَغَ النَّاسُ فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، قَالَ قَدْ أَحْسَنْتُمْ.

فَدَلَّتْ هَذِهِ الْأَخْبَارُ عَلَى جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَأَنَّهُ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ؛ لِأَنَّ غَزْوَةَ تَبُوكَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ وَكَذَلِكَ إِسْلَامُ جَرِيرٍ، وَقَدْ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنِي بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ سَبْعُونَ بَدْرِيًّا يَعْنِي: أَنَّ بَعْضَهُمْ شَافَهَهُ وَبَعْضَهُمْ رَوَى لَهُ عَنْهُمْ: لِأَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَلْقَ سَبْعِينَ بَدْرِيًّا.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْآيَةِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا وَإِنْ أَوْجَبَتْ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ فَالسُّنَّةُ جَاءَتْ بِالرُّخْصَةِ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَكَانَتِ الْآيَةُ دالة على غسل الرجلين إذا ظهرتا، وَالسُّنَّةُ وَارِدَةٌ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ إِذَا لُبِسَا.

وَالثَّانِي: أَنَّ فِي الْآيَةِ قِرَاءَتَيْنِ بِالنَّصْبِ وَالْجَرِّ فَيُحْمَلُ النَّصْبُ عَلَى غَسْلِهِمَا إِذَا كَانَتَا ظاهرتين، ويحمل الجر على مسحهما إن كانتا في الخفين، فتكون الآية باختلاف قراءتيها دَالَّةً عَلَى الْأَمْرَيْنِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ " هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا بِهِ " فَهُوَ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الرُّخْصَةِ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ، عَلَى أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْقَدَمَيْنِ، وَمَنْ كَانَ ظَاهِرُ الْقَدَمَيْنِ لَمْ يُجْزِهِ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا رَوَوْهُ مِنْ سُؤَالِ عَلِيٍّ أَبَا مَسْعُودٍ الْبَدْرِيَّ فَمِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الرِّوَايَةَ الثَّابِتَةَ عَنْ عَلِيٍّ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْحَدِيثِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ سَأَلَهُ اسْتِخْبَارًا عَنْ زَمَانِ الْمَسْحِ لَا إِنْكَارًا لَهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>