للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَجْمَعُ لَهُمْ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ فَيُشَارِكُوا وَلَدَ الأم في فرضهم ويأخذون الباقي بعد الفرض بتعصيبهم وفي إبطال هذا إبطال لفرضهم.

وَدَلِيلُنَا عَلَى التَّشْرِيكِ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ} [النساء: ٧] فَاقْتَضَى ظَاهِرُ هَذَا الْعُمُومِ اسْتِحْقَاقَ الْجَمِيعِ إِلَّا مِنْ حصة الدَّلِيل وَلِأَنَّهُمْ سَاوَوْا وَلَدَ الْأُمِّ فِي رَحِمِهِمْ فَوَجَبَ أَنْ يُشَارِكُوهُمْ فِي مِيرَاثِهِمْ قِيَاسًا عَلَى مُشَارَكَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ وَلِأَنَّهُمْ بَنُو أُمٍّ وَاحِدَةٍ فَجَازَ أَنْ يَشْتَرِكُوا فِي الثُّلُثِ قِيَاسًا عَلَيْهِمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ وَلَدُ أَبٍ؛ وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ أَدْلَى بِسَبَبَيْنِ يَرِثُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ جَازَ إِذَا لَمْ يَرِثْ بِأَحَدِهِمَا أَنْ يَرِثَ بِالْآخَرِ قِيَاسًا عَلَى ابْنِ الْعَمِّ إِذَا كَانَ أَخًا لِأُمٍّ وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ فِيهِ مَعْنَى التَّعْصِيبِ وَالْفَرْضِ جَازَ إِذَا لَمْ يَرِثْ بِالتَّعْصِيبِ أَنْ يَرِثَ بِالْفَرْضِ قِيَاسًا عَلَى الْأَبِ، وَلِأَنَّ أُصُولَ الْمَوَارِيثِ مَوْضُوعَةٌ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقْوَى عَلَى الْأَضْعَفِ، وَأَدْنَى الْأَحْوَالِ مُشَارَكَةُ الْأَقْوَى لِلْأَضْعَفِ، وَلَيْسَ فِي أُصُولِ الْمَوَارِيثِ سُقُوطٌ الْأَقْوَى بِالْأَضْعَفِ، وَوَلَدُ الْأَبِ وَالْأُمِّ أَقْوَى مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ لِمُشَارَكَتِهِمْ فِي الْأُمِّ وَزِيَادَتِهِمْ بِالْأَبِ، فَإِذَا لَمْ يَزِدْهُمُ الْأَبُ قُوَّةً لَمْ يَزِدْهُمْ ضَعْفًا وَأَسْوَأُ حَالِهِ أَنْ يَكُونَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ كَمَا قَالَ السَّائِلُ: هَبْ أَنَّ أَبَاهُمْ كَانَ حِمَارًا.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أبقت الفرائض فلأولى ذَكَرٍ فَهُوَ أَنَّ وَلَدَ الْأَبِ وَالْأُمِّ يَأْخُذُونَ بِالْفَرْضِ لَا بِالتَّعْصِيبِ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْخَبَرِ دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِهِمْ.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْإِخْوَةِ لِلْأَبِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّهُمْ لَا يَأْخُذُونَ بِالْفَرْضِ لِعَدَمِ إِدْلَائِهِمْ بِالْأُمِّ، وَخَالَفَهُمْ وَلَدُ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّ مَنْ كَانَ عَصَبَةً سَقَطَ عِنْدَ اسْتِيعَابِ الْفُرُوضِ لِجَمِيعِ التَّرِكَةِ.

فَالْجَوَابُ عَنْهُ: إِنَّ تَعْصِيبَ وَلَدِ الْأَبِ وَالْأُمِّ قَدْ سَقَطَ وَلَيْسَ سُقُوطُ تَعْصِيبِهِمْ يُوجِبُ سُقُوطَ رَحِمِهِمْ كَالْأَبِ إِذَا سَقَطَ أَنْ يَأْخُذَ بِالتَّعْصِيبِ لَمْ يُوجِبْ سُقُوطَ أَخْذِهِ بِالْفَرْضِ.

فَإِنْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ زَوْجًا وأما وجدا وأخا سقط الأخ؛ لأنه الْجَدّ يَأْخُذُ فَرْضَهُ بِرَحِمِ الْوِلَادَةِ فَجَازَ أَنْ يسقط مع الْأَخِ لِفَقْدِ هَذَا الْمَعْنَى فِيهِ وَخَالَفَ وَلَدُ الأم لمشاركته له من جهة الْأُمِّ.

وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِأَنَّ مَنْ حَازَ جَمِيعَ المال بالتعصيب جاز أن يكون بعصبته سَبَبًا لِحِرْمَانِهِ كَزَوْجٍ، وَأُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَأُخْتٍ لِأَبٍ لَوْ كَانَ مَكَانَهَا أَخٌ لِأَبٍ سَقَطَ.

فَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَخَ لِلْأَبِ لَيْسَ لَهُ سَبَبٌ يَرِثُ بِهِ إِلَّا بِالتَّعْصِيبِ وَحْدَهُ فَلَمْ يَجُزْ أن يدخل بمجرد التعصيب على ذوي الفرض.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوِ اجْتَمَعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ الْأُخْتِ لِلْأَبِ الْأَخُ لِلْأَبِ أَسْقَطَهَا؛ لِأَنَّهُ نَقَلَهَا عَنِ الْفَرْضِ إِلَى التَّعْصِيبِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْإِخْوَةُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ؛ لِأَنَّ لَهُمْ رَحِمًا بالأم يجوز أن يشاركونها وَلَدَ الْأُمِّ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوِ اجْتَمَعُوا مَعَهُمْ لَمْ يُسْقِطُوهُمْ فَكَذَلِكَ لَمْ يَسْقُطُوا بِهِمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>