للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِذَا انْتَفَى الْوَلَدُ بِاللِّعَانِ عَنِ الزَّوْجِ وَلَحِقَ بالأم انتفى تَعْصِيبُ النَّسَبِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا هَلْ تَصِيرُ الْمُلَاعَنَةُ أَوْ عَصَبَتُهَا عَصَبَةً لَهُ أَمْ لَا؟ فَمَذْهَبُ الشافعي أنها لَا تَكُونُ لَهُ عَصَبَةً وَلَا تَصِيرُ أُمُّهُ وَلَا عَصَبَتُهَا لَهُ عَصَبَةً، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ، وَمِنَ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَقَالَ أبو حنيفة: تَصِيرُ أُمُّهُ عَصَبَةً لَهُ ثُمَّ عَصَبَتُهَا مِنْ بَعْدِهَا، وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: تَصِيرُ عَصَبَةُ الْأُمِّ عَصَبَةً لَهُ، وَلِلْأُمِّ فَرْضُهَا وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السلام.

وَاسْتَدَلَّ مَنْ جَعَلَ أُمَّهُ وَعَصَبَتَهَا عَصَبَةً لَهُ بِمَا رَوَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - جَعَلَ مِيرَاثَ ابْنِ الْمُلَاعَنَةِ لِأُمِّهِ وَلِوَرَثَتِهَا مِنْ بعدها.

وما رواه عبد الواحد بن عبد الله البصري عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: المرأة تحوز ثلث مَوَارِيثِ عَتِيقِهَا وَلَقِيطِهَا وَوَلَدِهَا الَّذِي لَاعَنَتْ عَلَيْهِ.

وروي عن دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عبيد بن عمر الأنصاري قَالَ كَتَبْتُ إِلَى صَدِيقٍ لِي مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ أَسْأَلُهُ عَنْ وَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ لِمَنْ قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فكتب إليه إِنِّي سَأَلْتُ فَأُخْبِرْتُ أَنَّهُ قَضَى بِهِ لِأُمِّهِ هِيَ بِمَنْزِلَةِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وَرُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ بَعَثَ أَهْلُ الْكُوفَةِ رَجُلًا إِلَى الْحِجَازِ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عنه ما بعثوه إلا في ميراث الْمُلَاعَنَةِ يَسْأَلُ عَنْهُ فَجَاءَهُمُ الرَّسُولُ أَنَّهُ لِأُمِّهِ وَعَصَبَتِهَا، وَلِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ فِي التَّعْصِيبِ وَالْعَقْلِ فَلَمَّا ثَبَتَ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ وَلَاءٌ مِنْ جِهَةِ الأب جاز أن يثبت له بالتعصيب مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ إِذَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ بالتعصيب من جهة الأب ويتحرر من قِيَاسَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ كُلَّ جِهَةٍ جَازَ أَنْ يثبت عليها الولاء فيها جَازَ أَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ التَّعْصِيبُ مِنْهَا كَالْأَبِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ مَا حِيزَ بِهِ الْمِيرَاثُ مِنْ جِهَةِ الْأَبِ جَازَ أَنْ يُحَازَ بِهِ مِنْ جهة الأم كالولادة.

وَدَلِيلُنَا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا أَبْقَتِ الفرائض فلأولى رجل ذَكَرٍ وَقَدْ فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْأُمِّ الثُّلُثُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ عَلَيْهِ وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عن شريك بن سحماء أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَاعَنَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَكَانَتْ حَامِلًا فَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا فَكَانَ يُدْعَى إِلَيْهَا ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ أَنْ يَرِثَهَا وَتَرِثَ مِنْهُ مَا فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى لَهَا وَهَذَا نَصٌّ وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ أدلى بِمَنْ لَا تَعْصِيبَ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ تعصيب كابن العم للأم؛ لأنها قرابة بعتق يُقَدَّمُ عَلَيْهَا الْمُعْتَقُ فَلَمْ يَسْتَحِقَّ بِهَا الْإِرْثَ كَالرَّضَاعِ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ أَحْرَزَ مَعَهُ الْمَوْلَى الْمُعْتَقُ جَمِيعَ التَّرِكَةِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْإِرْثَ بِالْقَرَابَةِ كالعبد الكافر، وَلِأَنَّ التَّعْصِيبَ قَدْ يُعْدَمُ بِالْمَوْتِ مَعَ مَعْرِفَةِ النسب

<<  <  ج: ص:  >  >>