للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْخُفَّيْنِ مُلْحَقٌ بِطَهَارَةِ الْأَعْضَاءِ الَّتِي هِيَ عِبَادَاتٌ مفعولة فاستوى فيها المطيع والعاصي بالصلاة، وأن يُتْرَكَ فَتَمْنَعُ مِنْهُ الْمَعْصِيَةَ كَالْفِطْرِ وَالْقَصْرِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ.

(مَسْأَلَةٌ)

: قَالَ الشافعي: " وإذا توضأ فغسل إِحْدَى رِجْلَيْهِ ثُمَّ أَدْخَلَهَا الْخُفَّ ثُمَّ غَسَلَ الأخرى ثم أدخلها الخف لم يجزئه إذا أحدث أن يمسح حتى يكون طاهراً بكامله قبل لباسه أحد خفيه فإن نزع الخف الأول الملبوس قبل تمام طهارته ثم لبسه جاز له أن يمسح لأن لباسه مع الذي قبله بعد كمال الطهارة (قال المزني) كَيْفَمَا صَحَّ لُبْسُ خُفَّيْهِ عَلَى طهرٍ جَازَ لَهُ الْمَسْحُ عِنْدِي ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَلْبَسَ خُفَّيْهِ لِلْمَسْحِ عَلَيْهِمَا إِلَّا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ فَإِنْ لَبِسَهُمَا مُحَدِثًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا فَإِنْ غَسَلَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ فَأَدْخَلَهَا الْخُفَّ، ثُمَّ غَسَلَ الْأُخْرَى وَأَدْخَلَهَا الْخُفَّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا، حَتَّى يَنْزِعَ الْخُفَّ الَّذِي لَبِسَهُ أَوَّلًا قَبْلَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ، وَيُعِيدُ لُبْسَهُ قَبْلَ حَدَثِهِ فَيَصِيرُ لَابِسًا لَهُمَا بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا حَتَّى يَنْزِعَهُمَا مَعًا، ثُمَّ يَلْبَسُهُمَا قَبْلَ حَدَثِهِ وَقَالَ أبو حنيفة وَالْمُزَنِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ: يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا وَإِنْ لَمْ يَنْزِعْ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَلَا فَائِدَةَ فِي نَزْعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ لُبْسِهُ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ " وَلَمْ يُفَرِّقْ، وَلِأَنَّهُ حَدَثٌ طَرَأَ عَلَى طَهَارَةٍ وَلُبْسٍ فَجَازَ لَهُ الْمَسْحُ قِيَاسًا عَلَيْهِ إِذَا لَبِسَهُمَا بَعْدَ كَمَالِ الْغَسْلِ، قَالُوا وَلِأَنَّ نَزْعَ الْخُفَّيْنِ مُؤَثِّرٌ فِي الْمَنْعِ مِنَ الْمَسْحِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فِي جَوَازِ الْمَسْحِ قَالُوا: وَلِأَنَّ اسْتِدَامَةَ اللُّبْسِ تَجْرِي مَجْرَى ابْتِدَائِهِ بِدَلِيلِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْبَسُ خُفًّا هُوَ لَابِسُهُ حَنِثَ كَمَا لَوِ ابْتَدَأَ لُبْسَهُ فَصَارَ اسْتِدَامَةُ لُبْسِهِ فِي حُكْمِ مَنِ ابْتَدَأَ لُبْسَهُ فِي جَوَازِ مَسْحِهِ.

وَدَلِيلُنَا مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ يُونُسَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُرْوَةَ ابن الْمُغِيرَةِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: قُلْتُ يا رسول الله أنمسح على الخفين قال: " نَعَمْ إِنْ أَدْخَلْتَهُمَا، وَهُمَا طَاهِرَتَانِ " فَجَعَلَ اللُّبْسِ بَعْدَ طُهْرِهِمَا شَرْطًا فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهِمَا، ولأنه ليس قَبْلَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ جَوَازِ الْمَسْحِ قِيَاسًا عَلَى لُبْسِهِ قَبْلَ غَسْلِ قَدَمَيْهِ، وَلِأَنَّ لُبْسَ الْخُفَّيْنِ يَفْتَقِرُ إِلَى الطَّهَارَةِ، وَمَا كَانَ إِلَى الطَّهَارَةِ مُفْتَقِرًا كَانَ تَقْدِيمُهَا عَلَى جَمِيعِهِ، لَازِمًا كَالصَّلَاةِ يَلْزَمُ تَقْدِيمُ الطَّهَارَةِ عَلَى جَمِيعِ الرَّكَعَاتِ، وَلِأَنَّ الْمُسْتَبَاحَ بِسَبَبٍ لَا يجوز تقديمه على سببه، كالإفطار لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى السَّفَرِ وَالْمَرَضِ، وَلِأَنَّ الْمَسْحَ مُسْتَبَاحٌ لِشَرْطَيْنِ: اللُّبْسُ وَالْحَدَثُ، فَمَا لَزِمَ تَقْدِيمُ الطَّهَارَةِ عَلَى الْحَدَثِ لَزِمَ تَقْدِيمُهَا عَلَى اللُّبْسِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَرْطٌ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ، وَلِأَنَّ حُكْمَ أَحَدِ الْخُفَّيْنِ مُرْتَبِطٌ بِالْآخَرِ، أَلَا تَرَى

<<  <  ج: ص:  >  >>