للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ركضته إلا عيسى ابن مريم وأمه عليهما السلام ثُمَّ قَرَأَ {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران: ٣٦] فَمَتَى اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ صَارِخًا فَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَرِثُ ويورث.

روى محمد بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: إِنِ اسْتَهَلَّ الْمَوْلُودُ وَرِثَ وَالِاسْتِهْلَالُ هُوَ الصُّرَاخُ، وَرَفْعُ الصَّوْتِ، وَلِذَلِكَ قِيلَ: إِهْلَالُ الحج لرفع الصوت فيه بالتلبية، وسمي الْهِلَالُ هِلَالًا لِاسْتِهْلَالِ النَّاسِ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ رُؤْيَتِهِ.

فَأَمَّا مَا سِوَى الِاسْتِهْلَالِ فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ فَحُكِيَ عَنْ شُرَيْحٍ وَالنَّخَعِيِّ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ لَا يَرِثُ حَتَّى يَسْتَهِلَّ صَارِخًا وَلَا يَقُومُ غَيْرُ الِاسْتِهْلَالِ مَقَامَ الِاسْتِهْلَالِ، وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: الْعُطَاسُ اسْتِهْلَالٌ ويورث بِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَقَالَ القاسم بن محمد البكاء وَالْعُطَاسُ اسْتِهْلَالٌ وَيَرِثُ بِالثَّلَاثَةِ لَا غَيْرَ.

وَقَالَ الشافعي وأبو حنيفة والصحابة بِأَيِّ وَجْهٍ عُلِمَتْ حَيَاتُهُ مِنْ حَرَكَةٍ أَوْ صياح أو بكاء أو عطاس ورث وورث؛ لِأَنَّ الْحَيَاةَ عِلَّةُ الْمِيرَاثِ فَبِأَيِّ وَجْهٍ عُلِمَتْ فَقَدْ وَجُدِتْ، وَوُجُودُهَا مُوجِبٌ لِتَعَلُّقِ الْإِرْثِ بِهَا ثُمَّ اخْتَلَفُوا إِذَا اسْتَهَلَّ قَبْلَ انْفِصَالِهِ ثُمَّ خَرَجَ مَيِّتًا فَقَالَ أبو حنيفة وَأَصْحَابُهُ إِذَا اسْتَهَلَّ بَعْدَ خُرُوجِ أَكْثَرِهِ وَرِثَ وَوُرِثَ وَإِنْ خَرَجَ بَاقِيهِ مَيِّتًا، وَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَرِثُ إِلَّا أَنْ يَسْتَهِلَّ بَعْدَ انْفِصَالِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْحَمْلِ مَا لَمْ يَنْفَصِلْ.

أَلَا تَرَى أَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَنْقَضِي بِهِ وزكاة الفطر لا تجب عليه إِلَّا بَعْدَ انْفِصَالِهِ، وَكَذَلِكَ الْمِيرَاثُ فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا وَمَاتَ رَجُلٌ وَخَلَّفَ ابْنَيْنِ وَزَوْجَةً حَامِلًا فَوُلِدَت ابْنًا وَبِنْتًا فَاسْتَهَلَّ الِابْنُ أَوَّلًا ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ اسْتَهَلَّتِ الْبِنْتُ بَعْدَهُ ثُمَّ مَاتَتْ فَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مِنْ ثَمَانِيَةٍ؛ لِأَنَّ فِيهَا زَوْجَةً وثلاثة بنين وبنت ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ الْمُسْتَهِلُّ عَنْ سَهْمَيْنِ مِنْهَا.

والمسألة مِنْ سِتَّةٍ لِأَنَّ فِيهَا أُمًّا وَأَخَوَيْنِ وَأُخْتًا فَعَادَتِ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى بِالِاخْتِصَارِ إِلَى سِتَّةٍ؛ لِأَنَّ الباقي سِتَّةٌ ثُمَّ مَاتَتِ الْبِنْتُ الْمُسْتَهِلَّةُ عَنْ سَهْمٍ مِنْهَا وَمَسْأَلَتُهَا مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ؛ لِأَنَّ فِيهَا أُمًّا وَأَخَوَيْنِ فَاضْرِبْهَا فِي السِّتَّةِ الَّتِي رَجَعَتِ المسألة إليها يكن اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ، وَمِنْهَا تَصِحُّ الْمَسَائِلُ فَمَنْ كَانَ له شيء من اثني عشر أخذه مَضْرُوبٌ لَهُ فِي وَاحِدٍ، وَمَنْ كَانَ لَهُ شيء من ستة فهو مَضْرُوبٌ لَهُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ، فَلَوْ كَانَتِ الْبِنْتُ هِيَ الْمُسْتَهِلَّةُ أَوَّلًا وَمَاتَتْ ثُمَّ اسْتَهَلَّ الِابْنُ بَعْدَهَا وَمَاتَ فَقَدْ مَاتَتِ الْبِنْتُ عَنْ سهم من ثمانية ومسئلتها مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ؛ لِأَنَّ فِيهَا أُمًّا وَثَلَاثَةَ إخوة فاضرب الثمانية عشر في الثمانية يكن مِائَةً وَأَرْبَعَةً وَأَرْبَعِينَ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ثَمَانِيَةٍ مَضْرُوبٌ لَهُ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَمِنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَضْرُوبٌ لَهُ فِي وَاحِدٍ هُوَ تَرِكَةُ الْبِنْتُ الْمُسْتَهِلَّةُ.

فَعَلَى هَذَا كَانَ لِلِابْنِ الْمُسْتَهِلِّ بَعْدَهَا سَهْمَانِ مِنْ ثمانية في ثمانية عشر يكن سِتَّةً وَثَلَاثِينَ، وَلَهُ خَمْسَةٌ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فِي وَاحِدٍ فَصَارَ مَالُهُ مِنْهَا أَحَدًا وَأَرْبَعِينَ مِنْ مِائَةٍ وَأَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ ثُمَّ مَاتَ عَنْهَا وَمَسْأَلَتُهُ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ لِأَنَّ فِيهَا أُمًّا وأخوين وهي لا توقف تَرِكَتَهُ بِشَيْءٍ فَاضْرِبِ اثْنَيْ عَشَرَ فِي مِائَةٍ وأربعة وأربعين تكن ألفا وسبع مائة وثمانية وعشرين سهما ومنها

<<  <  ج: ص:  >  >>