للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا كَانَ لِلْمُوصِي ابْنٌ وَاحِدٌ، فَوَصَّى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ، كَانَتْ وَصِيَّتُهُ بِالنِّصْفِ، وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة، وَصَاحِبَيْهِ، فَإِنْ أَجَازَهَا الِابْنُ، وَإِلَّا رُدَّتْ إِلَى الثُّلُثِ.

وَقَالَ مَالِكٌ: وَهِيَ وَصِيَّةٌ بِجَمِيعِ المال. وهو قول زفر من الهذليين وَدَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ نَصِيبَ ابْنِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ، أَخَذَ جَمِيعَ الْمَالِ فَاقْتَضَى أَنْ تَكُونَ الْوَصِيَّةُ بِمِثْلِ نَصِيبِهِ وَصِيَّةً بِجَمِيعِ الْمَالِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ لَوْ أوصى له بمثل ما كان نصيب ابنه كان وصية بجميع ماله إجماعا. وجب لو أوصى له بمثل نصيب ابنه أن يكون وصية بِجَمِيعِ الْمَالِ حِجَاجًا.

وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ نَصِيبَ الِابْنِ أَصْلٌ، وَالْوَصِيَّةُ بِمِثْلِهِ فَرْعٌ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الْفَرْعُ رَافِعًا لِحُكْمِ الْأَصْلِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ جَعَلْنَا الوصية بجميع الْمَالِ لَخَرَجَ أَنْ يَكُونَ لِلِابْنِ نَصِيبٌ، وَإِذَا لم يكن للابن بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ الَّتِي هِيَ بِمِثْلِهِ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ الوصية بمثل نصيب الابن فوجب التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ وَبَيْنَ ابْنِهِ فَإِذَا وجب ذَلِكَ كَانَا فِيهِ نِصْفَيْنِ وَفِي إِعْطَائِهِ الْكُلَّ إبطال للتسوية بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ وَبَيْنَ الِابْنِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ: إِنَّ نَصِيبَ الِابْنِ كُلُّ الْمَالِ. فَهُوَ أَنَّ لَهُ الْكُلَّ مَعَ عَدَمِ الْوَصِيَّةِ وأما مَعَ الْوَصِيَّةِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْكُلَّ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ وَصَّيْتُ لَكَ بِمِثْلِ مَا كَانَ نَصِيبُ ابْنِي فَيَكُونُ وَصِيَّةً بِالْكُلِّ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّهُ إِذَا قَالَ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِي فَقَدْ جَعَلَ لَهُ مع الوصية نصيبا، فكذلك كانت وصيته بالنصف، نصيبا، وَإِذَا قَالَ بِمِثْلِ مَا كَانَ نَصِيبُ ابْنِي فلم يجعل مع الوصية نصيبا، فكذلك كَانَتْ بِالْكُلِّ.

فَصْلٌ:

فَعَلَى هَذَا: لَوْ قَالَ قَدْ وَصَّيْتُ لَهُ بِنَصِيبِ ابْنِي: فَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة، لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ بِمَا لَا يَمْلِكُ، لِأَنَّ نَصِيبَ الِابْنِ مِلْكُهُ، لَا مِلْكَ أَبِيهِ.

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: الْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ. وَهُوَ قَوْلُ مالك ويجري بها مجرى قوله بمثل نصيب ابني ولا ابن له فَيَجْعَلُهَا وَصِيَّةً بِالنِّصْفِ وَعِنْدَ مَالِكٍ بِالْكُلِّ وَلَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ، وَلَا ابْنَ لَهُ، كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ.

وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لَهُ ابن قاتل أو كافر، لِأَنَّهُ لَا نَصِيبَ لَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.

[مسألة:]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " (وَلَوْ قَالَ) بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ وَلَدِي فَلَهُ مع الاثنين الثُّلُثُ وَمَعَ الثَّلَاثَةِ الرُّبُعُ حَتَى يَكُونَ كَأَحَدَهِمْ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>