للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهَذَا فَاسِدٌ: لِأَنَّ الْجَهْلَ بِالْوَصَايَا لَا يَمْنَعُ مِنْ جَوَازِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ قَدْرَهُ جَازَتِ الْوَصِيَّةُ مَعَ الْجَهْلِ بِهَا. وَقَدْ أَوْصَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ لِثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ وَلَدِهِ.

فَصْلٌ:

فَأَمَّا إِذَا أَوْصَى لَهُ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ، فَحُكِيَ عن ابن مسعود وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَإِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وأحمد بن حنبل أنه لَهُ سُدُسَ الْمَالِ. وَقَالَ شُرَيْحٌ: يُدْفَعُ لَهُ سَهْمٌ وَاحِدٌ مِنْ سِهَامِ الْفَرِيضَةِ.

وَقَالَ أبو حنيفة: يُدْفَعُ إِلَيْهِ مِثْلُ نَصِيبِ أَقَلِّ الْوَرَثَةِ نَصِيبًا، مَا لَمْ يُجَاوِزِ السُّدُسَ، فَإِنْ جَاوَزَهُ أُعْطِيَ السُّدُسَ.

وَقَالَ أبو يوسف، ومحمد: يُعْطَى نصيب أقلهم مثل نَصِيبًا مَا لَمْ يُجَاوِزِ الثُّلُثَ، فَإِنْ جَاوَزَهُ، أعطي الثلث.

وقال أبو ثور. أعطيته سَهْمًا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: السَّهْمُ اسْمٌ عَامٌّ لَا يَخْتَصُّ بِقَدْرٍ مَحْدُودٍ، لانطلاقه على القليل والكثير، كالحظ والنصيب، فيرجع إِلَى بَيَانِ الْوَارِثِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فرض لرجل أوصى له سهما سُدُسًا.

قِيلَ: هِيَ قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ، يُحْتَمَلُ أن تكون البينة قامت بالسدس واعترف به الورثة.

وإذا ثَبَتَ أَنَّهُ يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى بَيَانِ الْوَرَثَةِ قبل منهم ما بينوه، من قليل أو كثير.

فإن نوزعوا، أحلفوا.

فإن لم يبينوا لم يخل حَالُهُمْ مِنْ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُمْ بَيَانٌ، أَوْ لَا يَكُونَ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ بيان: رَجَعَ إِلَى بَيَانِ الْمُوصَى لَهُ. فَإِنْ نُوزِعَ، أُحْلِفَ.

وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْمُوصَى لَهُ بيان وَقَفَ الثُّلُثُ عَلَى مَا يَكُونُ مِنْ بَيَانِ أَحَدِهِمَا، وَتَصَرَّفَ الْوَرَثَةُ فِي الثُّلُثَيْنِ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُمْ بَيَانٌ، فَأَبَوْا أَنْ يُبَيِّنُوهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ من اختلاف قوليه فيمن أقر بمجمل وامتنع أَنْ يُبَيِّنَ.

أَحَدُهُمَا: يُحْبَسُ الْوَارِثُ حَتَّى يُبَيِّنَ.

وَالثَّانِي: يُرْجَعُ إِلَى بَيَانِ الْمُوصَى لَهُ وَاللَّهُ أعلم.

[مسألة:]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِنِصْفِهِ ولآخر بربعه فلم تجز الْوَرَثَةُ قُسِّمَ الثُّلُثُ عَلَى الْحِصَصِ، وَإِنْ أَجَازُوا قُسِمَ الْمَالُ عَلَى ثَلَاثَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>