للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِنْ قُدِّرَتْ بِمُدَّةٍ تَصِحُّ فِيهَا الْإِجَارَةُ: صَحَّتْ. وَإِنْ لَمْ تُقَدَّرْ بِمُدَّةٍ تَصِحُّ فِيهَا الْإِجَارَةُ بَطَلَتْ حَمْلًا لِلْوَصِيَّةِ عَلَى الْإِجَارَةِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وأبو حنيفة، وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِهَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ، لِأَنَّ الْوَصَايَا تَجُوزُ مَعَ الْجَهَالَةِ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِسَهْمٍ من ماله وماله مجهول، بخلاف الإجارة فإنها لَا تَصِحُّ مَعَ الْجَهَالَةِ.

فَإِذَا صَحَّ جَوَازُهَا مقدرة ومؤبدة فَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ الْوَصِيَّةَ بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ، وَبِغَلَّةِ الدَّارِ وَبِثَمَرَةِ الْبُسْتَانِ. فَأَمَّا الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ الْعَبْدِ فله أن يستخدمه وله أن يؤجره.

وقال أبو حنيفة: لا يجوز لمن أوصى له بخدمة عبده أن يأمره اعْتِمَادًا عَلَى مَا تَضَمَّنَتْهُ الْوَصِيَّةُ مِنَ الِاسْتِخْدَامِ دُونَ الْإِجَارَةِ.

وَهَذَا خَطَأٌ: لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالْخِدْمَةِ كَالْوَصِيَّةِ بِالرَّقَبَةِ. فَلَمَّا كَانَ الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ يجوز له المعارضة عَلَيْهَا لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهَا بِالْوَصِيَّةِ كَانَ الْمُوصَى له بالخدمة أيضا يجوز له المعارضة عليها لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهَا بِالْوَصِيَّةِ.

فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا: فالوصية بخدمته ضربان: إما مُقَدَّرَةٌ بِمُدَّةٍ وَمُؤَبَّدَةٌ.

فَإِنْ قُدِّرَتْ بِمُدَّةٍ كَأَنَّهُ قَالَ: قَدْ أَوْصَيْتُ لِزَيْدٍ بِخِدْمَةِ عَبْدِي سَنَةً، فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ لَهُ بِخِدْمَةِ سَنَةٍ.

وَالْمُعْتَبَرُ فِي الثُّلُثِ مَنْفَعَةُ السَّنَةِ دُونَ الرَّقَبَةِ، وَفِي كَيْفِيَّةِ اعتبارها وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ: أَنَّهُ يُقَوَّمُ الْعَبْدُ كَامِلَ الْمَنْفَعَةِ فِي زَمَانِهِ كُلِّهِ، فَإِذَا قِيلَ مِائَةُ دِينَارٍ، قُوِّمَ وَهُوَ مَسْلُوبُ الْمَنْفَعَةِ سَنَةً، فَإِذَا قِيلَ ثَمَانُونَ دِينَارًا فَالْوَصِيَّةُ بِعِشْرِينَ دِينَارًا وَهِيَ خَارِجَةٌ مِنَ الثُّلُثِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمُوصِي دَيْنٌ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الَّذِي أَرَاهُ مَذْهَبًا - أَنَّهُ يُقَوَّمُ خِدْمَةُ مِثْلِهِ سَنَةً، فَتُعْتَبَرُ مِنَ الثلث، ولا تقوم الرقبة لأن المنافع الممتلكة في العقود والغصوب هِيَ الْمُقَوَّمَةُ دُونَ الْأَعْيَانِ. وَكَذَلِكَ فِي الْوَصَايَا.

فَإِذَا عُلِمَ الْقَدْرُ الَّذِي تَقَوَّمَتْ بِهِ خِدْمَةُ السَّنَةِ إِمَّا مِنَ الْعَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، أَوْ مِنَ الْمَنَافِعِ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي نُظِرَ:

فإنه خَرَجَ جَمِيعُهُ مِنَ الثُّلُثِ، صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ لَهُ بِخِدْمَةِ جَمِيعِ السَّنَةِ، وَإِنْ خَرَجَ نِصْفَهُ مِنَ الثُّلُثِ، رَجَعَتِ الْوَصِيَّةُ إِلَى نِصْفِهَا، وَاسْتَخْدَمَهُ نِصْفَ السَّنَةِ. وَإِنْ خَرَجَ ثُلُثُهُ مِنَ الثُّلُثِ رَجَعَتِ الْوَصِيَّةُ إِلَى ثُلُثِهَا، وَاسْتَخْدَمَهُ ثُلُثَ السَّنَةِ.

فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ عَلَى هَذِهِ الْعِبْرَةِ، اسْتَحَقَّ اسْتِخْدَامَهُ جَمِيعَ السَّنَةِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ مَالٌ غَيْرَ الْعَبْدِ، أَمْ لَا؟ .

<<  <  ج: ص:  >  >>