للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَعَطَاءٌ، وَالزُّهْرِيُّ:

قَدْ لَزِمَتْهُمُ الْإِجَازَةُ، سَوَاءً أَجَازُوا فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي الْمَرَضِ.

وَقَالَ مَالِكٌ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى:

إن أجازوه في الصحة: لم يلزمهم.

وَإِنْ أَجَازُوهُ فِي الْمَرَضِ: لَزِمَهُمْ.

اسْتِدْلَالًا، بِأَنَّ التَّرِكَةَ بَيْنَ الْمُوصِي وَالْوَرَثَةِ، فَإِذَا اجْتَمَعُوا فِيهَا عَلَى عَطِيَّةٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ فِيهَا اعْتِرَاضٌ، كَالْمُفْلِسِ مَعَ غُرَمَائِهِ وَالْمُرْتَهِنِ مَعَ رَاهِنِهِ.

وَهَذَا فاسد من وجوه:

أحدهما: أَنَّ الْإِجَازَةَ إِنَّمَا تَصِحُّ مِمَّنْ يَمْلِكُ مَا أجاز.

وَهُوَ قَبْلَ الْمَوْتِ، لَا يَمْلِكُهُ، فَلَمْ تَصِحَّ منه إجازته.

والثاني: أنه يملك الإجازة من يملك الرد. فَلَمَّا لَمْ يَمْلِكِ الرَّدَّ فِي حَالِ الْحَيَاةِ، لَمْ يَمْلِكِ الْإِجَازَةَ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْإِجَازَةَ إِنَّمَا تَصِحُّ مِنْ وَارِثٍ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ هَذَا الْمُجِيزُ غَيْرَ وَارِثٍ فَلَمْ تَصِحَّ مِنْهُ الْإِجَازَةُ.

وَالرَّابِعُ: أَنَّ إِجَازَتَهُ قَبْلَ الْإِرْثِ، كَعَفْوِهِ عَنِ الشُّفْعَةِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَعَنِ الْعَيْبِ قَبْلَ الشِّرَاءِ، وَذَلِكَ مِمَّا لَا حُكْمَ لَهُ.

وَكَذَلِكَ الإجازة قبل الموت.

وبذلك الْمَعْنَى فَارَقَ الْغُرَمَاءَ مَعَ الْمُفْلِسِ، وَالْمُرْتَهِنَ مَعَ الراهن لاستحقاقهم لذلك فِي الْحَالِ.

فَصْلٌ:

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ إِجَازَةَ الْوَرَثَةِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ غَيْرُ لَازِمَةٍ، فَالْأَوْلَى لَهُمْ إِمْضَاءُ مَا أَجَازُوهُ. لِأَنَّ فِي ذَلِكَ صدقا في قول، ووفاء بوعد، وبعدا من عذر، وَطَاعَةً لِلْمَيِّتِ، وَبِرًّا لِلْحَيِّ.

وَكَذَلِكَ لَوْ أَجَازُوا وصيته لبعض ورثته في حياته.

وسواء شهد عَلَيْهِمْ بِالْإِجَازَةِ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ.

مَسْأَلَةٌ:

قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَوْ قَالَ أَعْطُوهُ رَأْسًا مِنْ رَقِيقِي أُعْطِيَ ما شاء الوارث معيبا كان أَوْ غَيْرَ مَعِيبِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَالْكَلَامُ فِيهَا يَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُوصِيَ بِرَأْسٍ مِنْ رَقِيقِهِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يُوصِيَ بِرَأْسٍ مِنْ مَالِهِ.

فَأَمَّا إِذَا أَوْصَى بِرَأْسٍ من رقيقه: فهذا على ثلاثة أقسام:

أحدهما: أَنْ يَكُونَ لَهُ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ رَقِيقٌ يُخَلِّفُهُمْ فِي تَرِكَتِهِ:

فَالْوَصِيَّةُ جَائِزَةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>