للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَسْتَدِينُوا فِي مَصَالِحِ أَنْفُسِهِمْ، فَيُرَاعَى فِيهِمُ الْفَقْرُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَوْا مع الغنى والقدرة.

ثم ينظر فيما استدانوا: فَإِنْ كَانُوا صَرَفُوهُ فِي مُسْتَحَبٍّ أَوْ مُبَاحٍ: أُعْطَوْا، وَإِنْ صَرَفُوهُ فِي مَعْصِيَةٍ: فَإِنْ لَمْ يَتُوبُوا مِنْهَا لَمْ يُعْطَوْا، لِمَا فِي إِعْطَائِهِمْ مِنْ إِعَانَتِهِمْ عَلَيْهَا وَإِغْرَائِهِمْ بِهَا.

وَإِنْ تَابُوا فَفِي إِعْطَائِهِمْ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: " لَا يُعْطَوْنَ " لِهَذَا الْمَعْنَى.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُعْطَوْنَ لِارْتِفَاعِهَا بِالتَّوْبَةِ.

وَأَقَلُّ ما يصرف الثلث في ثلاثة فصاعدا في الْغَارِمِينَ، وَأَيُّ الصِّنْفَيْنِ أَعْطَى مِنْهُمْ أَجْزَأَ، وَيَكُونُ مَا يُعْطِيهِمْ بِحَسْبِ غُرْمِهِمْ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: " وَيُعْطِي مَنْ لَهُ الدَّيْنُ عَلَيْهِمْ، أَحَبُّ إِلَيَّ، وَلَوْ أَعْطَوْهُ فِي دَيْنِهِمْ، رَجَوْتُ أَنْ يَسَعَ ".

فَإِنْ صرفه في اثنين: غرم للثالث، وَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَضْمَنُ ثُلُثَ الثُّلُثِ.

وَالثَّانِي: أنه يضمن أقل ما يجزئه أن يعطيه ثالثا ويكون ذلك خاصا بغارمي بلد المال، ومن كَانَ مِنْهُمْ ذَا رَحِمٍ، أَوْلَى لِمَا فِي صِلَتِهَا مِنْ زِيَادَةِ الثَّوَابِ، فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَجِيرَانُ الْمَالِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ، وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} [النساء: ٣٦] .

وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أنه سيورثه ".

قال الشافعي: " وأقصى الجوار بينهم أربعين دارا، من كل ناحية " اهـ. هكذا لو أوصى لجيرانه، كان جيرانه منتهى أربعين دَارًا مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ.

وَقَالَ قَتَادَةُ: الْجَارُ: الدار والداران.

وقال سعيد بن جبير: الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الْإِقَامَةَ.

وَقَالَ أبو يوسف: هُمْ أَهْلُ الْمَسْجِدِ.

وَدَلِيلُنَا: مَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا كَانَ نَازِلَا بَيْنَ قَوْمٍ فَأَتَى النبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ليشكوهم، فبعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَقَالَ: اخْرُجُوا إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ وَقُولُوا: أَلَا إِنَّ الْجِوَارَ أَرْبَعُونَ دَارًا ".

فَصْلٌ:

وَلَوْ أَوْصَى بِإِخْرَاجِ ثُلُثِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

وَجَبَ صَرْفُهُ في الغزاة - كما قلنا فِي الزَّكَاةِ - وَيُصْرَفُ ذَلِكَ فِي ثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا من غزاة

<<  <  ج: ص:  >  >>