للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولو رد الوصية في حال حَيَاةِ الْمُوصِي، لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبُولُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَا فِي حَيَاتِهِ.

وَلَوْ قَبِلَهَا فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، صَحَّتْ، وَكَانَ لَهُ الْمُقَامُ عَلَيْهَا إن شاء، والخروج منها إن شَاءَ، فِي حَيَاةِ الْمُوصِي، وَبَعْدَ مَوْتِهِ.

وَقَالَ أبو حنيفة: لَيْسَ لَهُ الْخُرُوجُ مِنَ الْوَصِيَّةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، وَيَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا فِي حَيَاتِهِ، إِذَا كَانَ حَاضِرًا، وَإِنْ غَابَ، لَمْ يَجُزْ.

وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّ مَا كَانَ لَازِمًا مِنَ الْعُقُودِ اسْتَوَى حُكْمُهُ فِي الْحَيَاةِ، وَبَعْدَ الْمَوْتِ، وَمَا كَانَ غَيْرَ لَازِمٍ بَطَلَ بِالْمَوْتِ، وَالْوَصِيَّةُ إِنْ خَرَجَتْ عَنْ أَحَدِهِمَا صَارَتْ أَصْلًا يَفْتَقِرُ إِلَى دَلِيلٍ.

والثاني: أنه لو كان حضور صاحب الحق شَرْطًا فِي الْخُرُوجِ مِنَ الْوَصِيَّةِ، لَكَانَ رِضَاهُ مُعْتَبَرًا، وَفِي إِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ رِضَاهُ وَإِنْ كان حاضرا غير معتبر دليل على أنه ليس بشرط.

فَصْلٌ:

وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ أَبَاهُ فِي مَرَضِ موته، بمائة درهم، هي قدر ثلثه، لأنه لا يملك سوى ثلثمائة دِرْهَمٍ عُتِقَ عَلَيْهِ مِنَ الثُّلُثِ، وَلَمْ يَرِثْهُ، لِأَنَّ عِتْقَهُ إِذَا كَانَ فِي الثُّلُثِ وَصِيَّةٌ وَلَا يُجْمَعُ لَهُ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالتَّوْرِيثِ. وَلَوْ وَرِثَ لَمُنِعَ الْوَصِيَّةَ، وَلَوْ مُنِعَهَا لَبَطَلَ الْعِتْقُ والشراء، وإذا بطل الْعِتْقُ وَالشِّرَاءُ، بَطَلَ الْمِيرَاثُ، فَلَمَّا كَانَ تَوْرِيثُهُ، يُفْضِي إِلَى إِبْطَالِ الْوَصِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ، أَثْبَتْنَا الْوَصِيَّةَ، وَأَبْطَلْنَا الْمِيرَاثَ.

فَلَوِ اشْتَرَى بَعْدَ أَنْ عَتَقَ أبوه عَبْدًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَأَعْتَقَهُ، كَانَ عِتْقُهُ بَاطِلًا لأنه قد اشترى ثُلُثَهُ بِعِتْقِ أَبِيهِ، فَرُدَّ عَلَيْهِ عِتْقُ مَنْ سِوَاهُ.

وَلَوْ كَانَ قَبْلَ شِرَاءِ أَبِيهِ أَعْتَقَ عَبْدًا هُوَ جَمِيعُ ثُلُثِهِ، ثُمَّ اشْتَرَى أَبَاهُ وَلَيْسَ لَهُ ثُلُثٌ يَحْتَمِلُهُ، وَلَا شَيْئا مِنْهُ، فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: إِنَّ الشِّرَاءَ بَاطِلٌ، لأنه لو صح، لثبت الملك، لو ثَبَتَ الْمِلْكُ لَنَفَذَ الْعِتْقُ، وَالْعِتْقُ لَا يَنْفُذُ جَبْرًا فِيمَا جَاوَزَ الثُّلُثَ، فَكَذَلِكَ كَانَ الشِّرَاءُ باطلا، وسواء أفاد بعد ذلك، ما خرج ثَمَنَ الْأَبِ مِنْ ثُلُثِهِ، أَوْ لَمْ يُفِدْ، لِفَسَادِ الْعَقْدِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّ الشِّرَاءَ لَازِمٌ صحيح، لأنه لم يقترف بِالْعَقْدِ مَا يُفْسِدُهُ وَإِنَّمَا عِتْقُهُ بِالْمِلْكِ حَالٌ يَخْتَصُّ بِالْعَاقِدِ، فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي فَسَادِ الْعَقْدِ.

فَعَلَى هَذَا: يُسْتَبْقَى رِقُّ الْأَبِ، عَلَى مِلْكِ ولده، وإن أَفَادَ مَا يُخَرَّجُ بِهِ مِنْ ثَمَنُ الْأَبِ مِنْ ثُلُثِهِ، عَتَقَ وَلَمْ يَرِثْ وَإِنْ لَمْ يَسْتَفِدْ شَيْئًا، كَانَ عَلَى رِقِّهِ، فَإِذَا مَاتَ الِابْنُ الْمُشْتَرِي، صَارَ الْأَبُ مَوْرُوثًا لِوَرَثَةِ ابْنِهِ.

فَإِنْ كَانُوا مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِمُ الْأَبُ، لِأَنَّهُمْ إِخْوَةٌ، أَوْ بَنُونَ، عُتِقَ عَلَيْهِمْ بِمِلْكِهِمْ لَهُ بِالْمِيرَاثِ.

وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْوَرَثَةُ مِمَّنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِمُ الْأَبُ، لِأَنَّهُمْ أَعْمَامٌ أَوْ بَنُو أَعْمَامٍ كَانَ مِلْكُهُمْ مَوْقُوفًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>