للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاحْتِمَالِ عَلَى التَّشْرِيكِ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْوَصِيَّةِ لَهُمَا، وَلَيْسَ يُلْزَمُ فِي الْوَصَايَا الْمُطْلَقَةِ تَقْدِيمُ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي، وَلَا الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي الْعَطَايَا النَّاجِزَةِ.

فَصْلٌ:

وَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ جَارِيَةٌ حَامِلٌ فَأَوْصَى بِهَا لِرَجُلٍ ثُمَّ أَوْصَى بَعْدَ ذَلِكَ بِحَمْلِهَا لِآخَرَ فَالْجَارِيَةُ تَكُونُ لِلْأَوَّلِ وَالْوَلَدُ يَكُونُ بَيْنَ الْأَوَّلِ والثاني.

وإنما كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْصَى بِالْجَارِيَةِ لِلْأَوَّلِ كَانَ حَمْلُهَا دَاخِلًا فِي الْوَصِيَّةِ تَبَعًا، فَلَمَّا أوصى بالحمل للثاني صار موصيا بِهِ لَهُمَا، فَكَانَ بَيْنَهُمَا، وَهَكَذَا لَوِ ابْتَدَأَ فَأَوْصَى بِحَمْلِهَا لِرَجُلٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهَا لِآخَرَ كَانَ الْحَمْلُ بَيْنَهُمَا وَالْجَارِيَةُ لِلثَّانِي مِنْهُمَا لِمَا ذكرناه.

ولكن لو قال: أَوْصَيْتُ لِزَيْدٍ بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ دُونَ حَمْلِهَا، وَأَوْصَيْتُ لعمرو بحملها دونها، صح وانفرد زَيْدٌ بِالْأُمِّ وَعَمْرٌو بِالْوَلَدِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ أَنَّ زَيْدًا الْمُوصَى لَهُ بِالْأُمِّ أَعْتَقَهَا وَهِيَ حَامِلٌ، عتقَتْ وَلَمْ يَسْرِ عِتْقُهَا إِلَى الْحَمْلِ، وَكَانَ الْحَمْلُ إِذَا وُلِدَ رَقِيقًا لِعَمْرٍو وَسَوَاءٌ كَانَ مُعْتِقُ الْأُمِّ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا لِأَنَّ الْأُمَّ تَتَمَيَّزُ عَنِ الْوَلَدِ وَقَدْ تَمَيَّزَا فِي الْمِلْكِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَسْرِ الْعِتْقُ.

فَصْلٌ:

وَإِذَا أَوْصَى الرَّجُلُ بِعَبْدِهِ لِوَاحِدٍ مِنْ رَجُلَيْنِ لَمْ يُعَيِّنْهُ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةً.

وَلَوْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِوَاحِدٍ مِنْ عَبْدَيْنِ لَمْ يُعَيِّنْهُ، كَانَتِ الْوَصِيَّةُ جَائِزَةً وَدَفَعَ الْوَارِثُ أَيَّهُمَا شَاءَ.

وَقَالَ أبو حنيفة: الْوَصِيَّةُ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ جَائِزَةٌ، كَالْوَصِيَّةِ بِأَحَدِ الْعَبْدَيْنِ. وَدَلِيلُنَا: هُوَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ إِنَّمَا تَصِحُّ إِذَا كَانَتْ لِمُوصى لَهُ إِمَّا بِالنَّصِّ أَوْ بِإِطْلَاقِ اسْمٍ تَدْخُلُ فِي عُمُومِهِ، وَلَيْسَ فِي الوصية لأحد الرجلين نَصٌّ وَلَا عُمُومُ اسْمٍ وَإِنَّمَا تَدْخُلُ فِي العموم إذا قال: ادفعوا عبدي أي هذين الرجلين شئتم فتصح الوصية كلها.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِأَحَدِ الْعَبْدَيْنِ: هُوَ الْجَهْلُ بِمُسْتَحِقِّهَا فِي أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ، وَالْعِلْمُ بِمُسْتَحِقِّهَا فِي أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ.

وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ " الْأُمِّ ": وَلَوْ أَنَّ شَاهِدًا قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ قَتَلَ زَيْدًا لَمْ يَكُنْ لِأَوْلِيَائِهِ أَنْ يُقْسِمُوا مع شهادتهم وَلَا يَكُونُ لَوْثًا، وَلَوْ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ زَيْدًا قَتَلَ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ كَانَ ذَلِكَ لوثا لمن ادعاه من أولياء المقتولين ويقسمون مع شهادتهم، وفصل بينهما بأنه إذا ثبت الْقَاتِلُ تَوَجَّهَتِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتِ الْمَقْتُولُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَثْبُتِ الْقَاتِلُ، لِأَنَّ الدَّعْوَى لَا تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ مَعَ إِثْبَاتِ المقتول.

ومثله أن يقول عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ أَلْفٌ لَمْ تُسْمَعِ الدَّعْوَى مِنْهُ وَلَوْ قَالَ لِي عَلَى هَذَا الرَّجُلِ أَحَدُ هَذَيْنِ الْمَالَيْنِ سُمِعَتِ الدَّعْوَى مِنْهُ توجها وأخذا بالبيان تعيينا.

[مسألة:]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ الَّذِي أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ لفلان أو قد أوصيت بالذي أوصيت به لفلان لفلان كان هذا رُجُوعًا عَنِ الْأَوَّلِ إِلَى الْآخَرِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَحُكِيَ عَنِ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ رُجُوعًا، وَيَكُونُ الْعَبْدُ وَصِيَّةً لَهُمَا كَمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>