للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَوْ أَوْصَى بِهِ لِلثَّانِي مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْأَوَّلِ وَسَاعَدَهُ عَلَى هَذَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا احْتِجَاجًا بِأَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ زَيْدًا بِبَيْعِ سِلْعَةٍ سَمَّاهَا، ثُمَّ قَالَ قَدْ وَكَّلْتُ عَمْرًا بِمَا وَكَّلْتُ به زيدا أنهما يكونا معا وكيلين في بيعهما ولا يكون لوكيل الثَّانِي رُجُوعا عَنِ الْأَوَّلِ مَعَ ذِكْرِهِ فَكَذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ.

وَهَذَا فَاسِدٌ: لِأَنَّهُ إِذَا صَرَّحَ بِذِكْرِ الْأَوَّلِ عِنْدَ الْوَصِيَّةِ بِهِ لِلثَّانِي زَالَ احْتِمَالُ النِّسْيَانِ بِالذِّكْرِ، وَزَالَ احْتِمَالُ التَّشْرِيكِ بِقَوْلِهِ فَقَدْ أَوْصَيْتُ بِهِ لِلثَّانِي فَصَارَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي الرُّجُوعِ.

فَأَمَّا الْوَكَالَةُ: فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ ضيق عَلَيْهِ الْفَرْقَ فَجَعَلَ ذَلِكَ رُجُوعًا فِي تَوْكِيلِ الْأَوَّلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْوَكَالَةَ نيابة فصح أن يوكل كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْجَمَاعَةِ فِي كُلِّ الْبَيْعِ، وَالْوَصِيَّةُ تَمْلِيكٌ لَا يَصِحُّ أَنْ يَمْلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْجَمَاعَةِ كُلَّ الْوَصِيَّةِ. فَكَانَ هَذَا فَرْقًا بَيْنَ الْوَكَالَةِ وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ.

فَصْلٌ:

فَإِذَا تقرر أن يَكُون رُجُوعًا عَنِ الْأَوَّلِ إِلَى الثَّانِي، فَسَأَلَ الْأَوَّلُ إِحْلَافَ الثَّانِي أَنَّ الْمُوصِيَ أَرَادَ بِهِ الرُّجُوعَ، لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ يَمِينٌ، لِأَنَّ الرُّجُوعَ فِي هَذَا إِلَى لَفْظِ الْمُوصِي فِيمَا احْتَمَلَهُ مِنَ الْمَعْنَى دُونَ إِرَادَتِهِ.

مَسْأَلَةٌ:

قَالَ الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَوْ أَوْصَى أَنْ يُبَاعَ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ وَهَبَهُ كَانَ هَذَا رُجُوعًا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ لِلْمُوصِي الرُّجُوعَ فِي وَصِيَّتِهِ مَتَى شَاءَ، وَأَنَّ الرُّجُوعَ قَدْ يَكُونُ بِقَوْلٍ، أَوْ دلالة أو فِعْلٍ.

فَأَمَّا الْقَوْلُ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ صَرِيحًا: رَجَعْتُ فِي وَصِيَّتِي أَوْ قَدْ أَبْطَلْتُهَا، فَيَكُونُ ذَلِكَ رُجُوعًا مِنْهُ وَتَبْطُلُ بِهِ وَصِيَّتُهُ.

وَأَمَّا دلالة الفعل فَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي هَذَا الْفَصْلِ ثَلَاثَ مسائل:

أحدها: أَنْ يُوصِيَ بِبَيْعِهِ.

وَالثَّانِيةُ: أَنْ يُدَبِّرَهُ.

وَالثَّالِثَةُ: أَنْ يَهَبَهُ.

فَأَمَّا الْبَيْعُ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَوَلَّاهُ فِي حَيَاتِهِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يُوصِيَ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ. فَإِنْ بَاعَهُ فِي حَيَاتِهِ كَانَ هَذَا رُجُوعًا لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إِنَّمَا تَصِحُّ إذا انتقلت عن مِلْكِ الْمُوصِي بِمَوْتِهِ إِلَى مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ بِقَبُولِهِ وَالْبَيْعُ قَدْ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْهَا فَلَمْ يَصِحَّ بَقَاءُ الْوَصِيَّةِ بِهِ.

فَلَوِ اشْتَرَاهُ بَعْدَ بَيْعِهِ: لَمْ تَعُدِ الْوَصِيَّةُ بِهِ لِبُطْلَانِهَا بِالْبَيْعِ. وَخَالَفَ الْمُفْلِسُ إِذَا اشْتَرَى مَا بَاعَهُ فِي رُجُوعِ الْبَائِعِ بِهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ.

وَالِابْنُ إِذَا اشْتَرَى مَا بَاعَهُ فِي هِبَةِ أَبِيهِ فِي رُجُوعِ الْأَبِ بِهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>