للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا حدث في الإنسان وخاف لَمْ يَتَطَاوَلْ. وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ إنَّهُ وَخْزٌ مِنْ وَخْزِ الشَّيْطَانِ فَإِنْ ظَهَرَ الطَّاعُونُ فِي بَلَدٍ حَتَّى لَا يَتَدَارَكَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بعضا، وكفى الله حسن الكفاية فما لم يقع الإنسان فَلَيْسَ بِمَخُوفٍ وَإِنْ وَقَعَ بِهِ صَارَ مَخُوفًا.

[مسألة:]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَمَنْ أَنْفَذَتْهُ الْجِرَاحُ فَمَخُوفٌ فَإِنْ لَمْ تَصِلْ إِلَى مَقْتَلٍ وَلَمْ تَكُنْ فِي مَوْضِعِ لَحْمٍ وَلَمْ يَغْلِبْهُ لَهَا وَجَعٌ وَلَا ضَربَانِ وَلَمْ يأتكل ويرم فَغَيَرُ مَخُوفٍ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْجِرَاحُ ضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: أن تصل إلى جوفه في صَدْرٍ أَوْ ظَهْرٍ أَوْ خَصْرٍ أَوْ إِلَى الدماغ فَهَذَا مَخُوفٌ لِأَنَّهُ رُبَّمَا دَخَلَ مِنْهَا إِلَى الْجَوْفِ رِيحٌ تَصِلُ إِلَى الْقَلْبِ، أَوْ تَمَاسَّ الْكَبِدَ فَيُقْتَلُ، أَوْ رُبَّمَا خَرَجَ بِهَا مِنَ الْجَوْفِ مَا يَقْتُلُ، وَهَكَذَا كَانَتْ حَالُ عُمَرَ رضي الله عنه جُرِحَ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَن لا تَصِلَ إِلَى الْجَوْفِ وَلَا إِلَى الدِّمَاغِ فَيُنْظَرُ.

فَإِنْ وَرِمَتْ، أو اتكلت أَوِ اقْتَرَنَ بِهَا وَجَعٌ، أَوْ ضَرَبَانٌ فَمَخُوفٌ لِأَنَّ أَلَمَ وَجَعِهَا إِذَا وَصَلَ إِلَى الْقَلْبِ قتل وورمها، وأكلتها تسري إِلَى مَا يَلِيهَا، فَتَقْتُلُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَهِيَ غَيْرُ مَخُوفَةٍ، لِأَنَّ السَّلَامَةَ مِنْهَا أَغْلَبُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

مَسْأَلَةٌ:

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وإذا التحمت الحرب فمخوف فإن كَانَ فِي أَيْدِي مُشْرِكِينَ يَقْتُلُونَ الْأَسْرَى فَمَخُوفٌ (وقال) في الإملاء إذا قدم من عليه قصاص غَيْر مَخُوفٍ مَا لَمْ يَجْرَحُوا لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُتْرَكُوا فَيَحْيَوْا (قَالَ الْمُزَنِيُّ) الْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَسْلَمَ مِنَ الْتِحَامِ الْحَرْبِ وَمِنْ كُلِّ مَرَضٍ مَخُوفٍ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: ذكر الشافعي هاهنا ثَلَاثَ مَسَائِلَ: فِيمَنِ الْتَحَمَ فِي الْحَرْبِ فَهَذَا يُنْظَرُ فَإِنْ تَكَافَأَ الْفَرِيقَانِ فَمَخُوفٌ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ كان أحدهما أكثر عددا مِنَ الْآخَرِ فَلَيْسَ بِمَخُوفٍ عَلَى الْأَكْثَرِينَ وَهُوَ مَخُوفٌ عَلَى الْأَقَلِّينَ.

وَسَوَاءٌ كَانَ الْقِتَالُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مَعَ الْمُشْرِكِينَ فَجَعَلَ الشَّافِعِيُّ الْتِحَامَ القتال مخوفا.

وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: إِذَا حُمِلَ الْمُسْلِمُ أَسِيرًا فِي أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ، فَإِنْ كَانُوا لَا يَقْتُلُونَ الْأَسْرَى على عادة قد عرفت لهم في استيفائهم لِمَنٍّ رقّ أَوْ فِدَى فَغَيْرُ مَخُوفٍ، وَإِنْ عُرِفُوا بِقَتْلِ الْأَسْرَى قَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ مَخُوفٌ، فجعل الأسر خوفا كالتحام القتال.

والمسألة الثانية: من قدم للقصاص وَجَبَ عَلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ غَيْرُ مَخُوفٍ مَا لَمْ يُجْرَحْ، فَلَمْ يَجْعَلِ التَّقْدِيمَ لِلْقِصَاصِ مخوفا بخلاف التحام القتال والأسير.

وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ، وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبُو حَامِدٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>