للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهَذَا قَوْلٌ يَنْكَسِرُ عَلَيْهِ، بِقَضَاءِ دَيْنِ الْحَيِّ إِذَا عَجَّلَهُ الْوَكِيلُ مِنْ مَالِهِ، لَمْ يَرْجِعْ به في مال موكله، فكذلك الوصي.

[مسألة:]

قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَوْ أَوْصَى إِلَى رَجُلَيْنِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ تَغَيَّرَ أُبْدِلَ مَكَانَهُ آخَرَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ: يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُوصِيَ إِلَى وَاحِدٍ، أو إلى جَمَاعَةٍ عَلَى الِاجْتِمَاعِ وَالِانْفِرَادِ. وَيَجُوزُ أَنْ يُوصِيَ إِلَى زَيْدٍ وَيَجْعَلَ عَمْرًا عَلَيْهِ مُشْرِفًا، فَيَخْتَصُّ الْوَصِيُّ بِالْعَقْدِ وَالتَّنْفِيذِ، وَيَخْتَصُّ عَمْرٌو بِالْإِشْرَافِ عَلَيْهِ.

فَإِنْ أَرَادَ الْوَصِيُّ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالْعَقْدِ وَالتَّنْفِيذِ مِنْ غَيْرِ مُطَالَعَةِ الْمُشْرِفِ: لَمْ يَجُزْ. وَإِنْ أَرَادَ الْمُشْرِفُ أَنْ يَتَوَلَّى الْعَقْدَ وَالتَّنْفِيذَ لَمْ يَجُزْ.

وَقَالَ أبو حنيفة: الْمُشْرِفُ وَصِيٌّ يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَ مَا يَفْعَلُهُ الْوَصِيُّ، لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ، فَلَمْ تَقِفْ عَلَى شَيْءٍ دُونَ غَيْرِهِ.

وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ نِيَابَةٌ عَنْ إِذْنٍ، فَكَانَتْ مَقْصُورَةً عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ الْإِذْنُ كَالْوَكَالَةِ، وَهُوَ لَمْ يَجْعَلْ إِلَى الْمُشْرِفِ مُبَاشَرَةَ عَقْدٍ أَوْ تَنْفِيذَ أَمْرٍ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ مُشْرِفًا عَلَى الْوَصِيِّ فِي الْعَقْدِ وَالتَّنْفِيذِ.

فَصْلٌ:

فَأَمَّا إِذَا أَوْصَى إِلَى رَجُلَيْنِ جَعَلَهُمَا جَمِيعًا وَصِيَّيْنِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَخُصَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ مِنْ وَصِيَّتِهِ، دُونَ صَاحِبِهِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يُشْرِكَ بَيْنَهُمَا.

فَأَمَّا إِنْ خَصَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ مِنْهَا، مِثْلَ أَنْ يَجْعَلَ إِلَى أَحَدِهِمَا إِنْفَاذَ وَصَايَاهُ، وَإِلَى الْآخَرِ الْوِلَايَةَ عَلَى أَطْفَالِهِ، أَوْ يَجْعَلَ إِلَى أَحَدِهِمَا إِخْرَاجَ الثُّلُثِ، وَإِلَى الْآخَرِ قَضَاءَ الدُّيُونِ: فَوِلَايَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَقْصُورَةٌ عَلَى مَا جُعِلَ إِلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيمَا جُعِلَ إِلَى الْآخَرِ، فَلِلْمُوصَى لَهُ بِإِنْفَاذِ الْوَصَايَا لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْأَطْفَالِ، وَالْمُوصَى لَهُ بِالْوِلَايَةِ عَلَى الْأَطْفَالِ، لَا وِلَايَةَ لَهُ فِي إِنْفَاذِ الْوَصَايَا.

وَقَالَ أبو حنيفة: النَّظَرُ فِي الْوَصِيَّةِ، لَا يَتَمَيَّزُ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النَّظَرُ فِي الْجَمِيعِ بِمَا جُعِلَ إِلَيْهِ وَإِلَى الْآخَرِ. فَالْوَالِي عَلَى الْأَطْفَالِ إِلَيْهِ إِنْفَاذُ الْوَصَايَا وَالْوَالِي عَلَى إِنْفَاذِ الْوَصَايَا، إِلَيْهِ الولاية اسْتِدْلَالًا، بِأَنَّهَا وِلَايَةٌ فَلَمْ تَقِفْ عَلَى شَيْءٍ دُونَ غَيْرِهِ، كَوِلَايَةِ الْحَاكِمِ.

وَهَذَا فَاسِدٌ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ وِلَايَةٌ عَنْ عَقْدٍ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ مَقْصُورَةً عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ ذَلِكَ الْعَقْدُ كَالْوَكَالَةِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْكُلِّ لَمَا جاز أن ينفرد أحدهما بالنظر في الكل، فإذا خص أحدهما بالبعض، فأولى لا يَجُوزَ لَهُ النَّظَرُ فِي الْكُلِّ، وَلِأَنَّ مَنِ اؤْتُمِنَ عَلَى بَعْضِ الْمَالِ، لَمْ يَمْلِكْ بِذَلِكَ ثُبُوتَ الْيَدِ عَلَى جَمِيعِهِ، كَالْمُودعِ وَالْمُضَارِبِ.

فَصْلٌ:

فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْوَصِيَّةِ، وَلَمْ يَخُصَّ أَحَدَهُمَا بِشَيْءٍ مِنْهَا دُونَ صَاحِبِهِ فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

<<  <  ج: ص:  >  >>