للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خاص، فإن لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا، أَوْ كَانَ إِلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ جَازَ أَنْ يَخْتَارَ لَهَا أَمِينًا ثِقَةً يَسْتَوْدِعُهُ إِيَّاهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فِي حِفْظِهَا، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أودع ما خلفه من الودائع عند أم أيمن حين هاجر واستخلف عليا في الرد - رضي الله عنه -.

وَهَلْ يَلْزَمُهُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ عِنْدَ دَفْعِهَا إِلَيْهِ أم لا: أحدهما: يلزمه الإشهاد عليه خوفا من تغير حَالِهِ وَحُدُوثِ جُحُودِهِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ لَمْ يشهد عليه ضمنها.

والوجه الثاني: لا يلزمه الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يَنُوبُ عَنِ الْمَالِكِ، وَلِأَنَّ قَوْلَ الْأَمِينِ فِي الرَّدِّ مَقْبُولٌ، فَعَلَى هَذَا إِنْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْهَا، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ثِقَةً يَسْتَوْدِعُهِ إِيَّاهَا لَمْ يَخْلُ حِينَئِذٍ حَالُ الْمِصْرِ وَالسَّفَرِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمِصْرُ مَخُوفًا بِغَارَةٍ، أَوْ حَرِيقٍ، وَالسَّفَرُ مَأْمُونًا، فَعَلَيْهِ أَنْ يُسَافِرَ بِالْمَالِ مَعَهُ، لِأَنَّهَا حَالُ ضَرُورَةٍ هِيَ أَحْفَظُ وَأَحْرَزُ، فَإِنْ تَرَكَهَا وَسَافَرَ كَانَ ضَامِنًا، وَإِنْ سَافَرَ بِهَا لَمْ يَضْمَنْهَا.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمِصْرُ مَأْمُونًا وَالسَّفَرُ مَخُوفًا، فَعَلَيْهِ تَرْكُهَا فِي المصر على ما سنذكره، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا، فَإِنْ سَافَرَ بِهَا ضَمِنَ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمِصْرُ مَخُوفًا وَالسَّفَرُ مَخُوفًا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا، لِأَنَّهُ إِذَا اسْتَوَى الْخَوْفَانِ كَانَ خَوْفُ السَّفَرِ أَعَمَّ.

وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْمِصْرُ مَأْمُونًا وَالسَّفَرُ مَأْمُونًا، فَفِي جَوَازِ السَّفَرِ بِهَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا، فَإِنْ سَافَرَ بِهَا ضَمِنَ، لِأَنَّ السَّفَرَ أَخْطَرُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: يَجُوزُ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِاسْتِوَاءِ الْأَمْنِ فِي الْحَالَيْنِ، وفضل حفظه لها بِنَفْسِهِ فِي السَّفَرِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

مَسْأَلَةٌ:

قَالَ الشافعي: " وَإِنْ دَفَنَهَا فِي مَنْزِلِهِ وَلَمْ يُعْلِمْ بِهَا أحدا يأتمنه على ماله فهلكت ضمن وإذا أودعها غيره وصاحبها حاضر عند سفره ضمن فإن لم يكن حاضرا فأودعها أمينا يودعه ماله لم يضمن ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ مَتَى مَا لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا وَلَا ثِقَةً يَسْتَوْدِعُهَا إِيَّاهُ فَدَفَنَهَا فِي الْأَرْضِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ الْمَدْفُونَةُ فِيهِ سَابِلًا لَا تَحْجِيرَ عَلَيْهِ يَمْنَعُ مِنَ الْوُصُولِ، فَدَفْنُهَا فِي مِثْلِهِ عُدْوَانٌ يُوجِبُ الضَّمَانَ، سَوَاءٌ أَعْلَمَ بِهَا أَحَدًا أَوْ لَمْ يُعْلِمْهُ، لِأَنَّ مَا تَصِلُ إِلَيْهِ الْأَيْدِي مُعَرَّضٌ لِلتَّلَفِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الموضع حصيا حَرِيزًا كَالْمَنَازِلِ الْمَسْكُونَةِ الَّتِي لَا تَصِلُ الْيَدُ إليها إِلَّا مَنْ أَرَادَ، فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ يُعْلِمَ بِهَا أَحَدًا أَوْ لَا يُعْلِمَ بِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>