للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حِرْزٍ ثُمَّ أَخْرَجَهَا إِلَى مَا لَيْسَ بِحِرْزٍ، أَوْ يَكُونُ قَدْ أَعْلَمَ بِمَكَانِهَا مِنْ أَهْلِهِ مَنْ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا، فَهَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ مِنَ التَّفْرِيطِ عُدْوَانٌ يَجِبُ بِهِ الضَّمَانُ.

وَالْقِسْمُ الثَّانِي: الِاسْتِعْمَالُ، مِثْلَ أَنْ يَسْتَوْدِعَهُ ثَوْبًا فَيَلْبَسُهُ أَوْ دَابَّةً فَيَرْكَبُهَا، أَوْ بُسَاطًا فَيَفْتَرِشُهُ فَهَذَا وَمَا شَاكَلَهُ عُدْوَانٌ يَجِبُ بِهِ الضَّمَانُ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: خَلَطَهَا بِغَيْرِهَا، وَذَلِكَ ضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَخْلِطَهَا بِمَالِ نَفْسِهِ، كَمَا لَوْ أَوْدَعَ دَرَاهِمَ فَخَلَطَهَا بِدَرَاهِمَ حَتَّى لَمْ تَتَمَيَّزْ، فَهَذَا عَدُوَانٌ يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَكَذَلِكَ لَوْ خَلَطَهَا بِدَرَاهِمِ غَيْرِ الْمُودِعِ أَيْضًا.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَخْلِطَهَا بِمَالِ الْمُودِعِ، كَأَنَّهُ أَوْدَعَ وَدِيعَتَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَخَلَطَ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى، فَفِي تَعَدِّيهِ وَضَمَانِهِ بِذَلِكَ وَجْهَانِ:

أَصَحُّهُمَا يَضْمَنُهَا، لِأَنَّ مَالِكَهَا لَمَّا مَيَّزَهَا لَمْ يَرْضَ بِخَلْطِهَا، وَلَكِنْ لَوْ خَلَطَهَا بِمَا يتميز منها مِثْلَ أَنْ يَخْلِطَ دَرَاهِمَ بِدَنَانِيرَ لَمْ يَضْمَنْ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ خَلْطُ الدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ قَدْ نَقَصَ قِيمَتَهُ مِنَ الدَّنَانِيرِ فَيَضْمَنُ قَدْرَ النُّقْصَانِ.

وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: الْخِيَانَةُ، وَهُوَ أَنْ يُخْرِجَهَا لِيَبِيعَهَا، أَوْ لِيُنْفِقَهَا، فَهَذَا عُدْوَانٌ يَجِبُ بِهِ الضَّمَانُ وَكَذَلِكَ لَوْ جَحَدَهَا.

وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ: التَّعَرُّفُ لَهَا، مِثْلَ أَنْ تَكُونَ دَرَاهِمُ فَيَزِنُهَا، أَوْ يَعُدُّهَا، أَوْ ثِيَابًا فَيَعْرِفُ طُولَهَا وَعَرْضَهَا، فَفِي تَعَدِّيهِ وَضَمَانِهِ بِذَلِكَ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَضْمَنُ، لِأَنَّهُ نَوْعٌ من التصرف.

والثاني: لا يضمن، لأنه قد رُبَّمَا أَرَادَ بِهِ فَضْلَ الِاحْتِيَاطِ.

وَالْقِسْمُ السَّادِسُ: التَّصَرُّفُ فِي بَعْضِ مَا اسْتَظْهَرَ بِهِ الْمُودِعُ فِي حِرْزِهَا وَذَلِكَ ضَرْبَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ منيعا بالقفل الذي يفتحه، فهذا عدوان بجب بِهِ الضَّمَانُ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَنِيعٍ كَالْخَتْمِ يَكْسِرُهُ، وَالشِّدَادِ يُحِلُّهُ، فَفِي ضَمَانِهِ بِذَلِكَ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يَضْمَنُ، لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ الْحِرْزِ، وَلِذَلِكَ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِشُرَيْحٍ: طِينَةٌ خَيْرٌ مِنْ طِينَةٍ يَعْنِي أَنَّ طِينَةَ الْخَتْمِ تَنْفِي التُّهْمَةَ.

وَالْقِسْمُ السَّابِعُ: أَنْ يَنْوِيَ الْخِيَانَةَ وَالتَّعَدِّيَ، فَقَدْ كَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ مُوجِبٌ لِضَمَانِهَا وَيَجْعَلُ النِّيَّةَ فِيهَا كَالْفِعْلِ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ، اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ النِّيَّةَ فِي تَمَلُّكِ اللُّقَطَةِ يَقُومُ مَقَامَ التَّصَرُّفِ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ، فَكَذَلِكَ فِي ضَمَانِ الْوَدِيعَةِ، وَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهَا بِالنِّيَّةِ، لِأَنَّ النِّيَّةَ إِنَّمَا تُرَاعَى فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى لَا فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يَصِيرَ مُتَعَدِّيًا بِالنِّيَّةِ لَجَازَ أَنْ يَصِيرَ خَائِنًا وَسَارِقًا بِالنِّيَّةِ، وَلِأَنَّ النِّيَّةَ مَا أَثَّرَتْ فِي حِرْزِهَا فَلَمْ تُؤَثِّرْ فِي ضَمَانِهَا، غَيْرَ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِهَا، فَأَمَّا اللقطة فمع النية في تملكها علم ظاهره وَهُوَ انْقِضَاءُ حَقِّ التَّعْرِيفِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ مَالِكًا مَعَ النِّيَّةِ إلا

<<  <  ج: ص:  >  >>