للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْمُعَيَّنُ حَرِيزًا وَالْمَنْقُولُ إِلَيْهِ حَرِيزًا، فَيُنْظَرُ فِي الْحِرْزِ الْمُعَيَّنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْوَدِيعَةِ جَازَ نَقْلُهَا وَلَمْ يَضْمَنْ، لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْإِحْرَازِ دُونَ الْحِرْزِ، وَإِنْ كَانَ مِلْكًا لِرَبِّ الْوَدِيعَةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ نَقْلُهَا وَلَا يَضْمَنُهَا تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْحِفْظِ الْمُعْتَبَرِ مَعَ الْإِطْلَاقِ، وَيَضْمَنُهَا اعْتِبَارًا بِالتَّعْيِينِ الْقَاطِعِ لِلِاخْتِيَارِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ لَهُ نَقَلُهَا اعْتِبَارًا بِالتَّعْيِينِ الْقَاطِعِ لِلِاخْتِيَارِ.

فَصْلٌ:

وَإِنْ نَهَاهُ مَعَ التَّعْيِينِ عَلَى الْحِرْزِ عَنْ إِخْرَاجِهَا مِنْهُ فَلَا يَخْلُو حَالُ الْحِرْزِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلْمُودِعِ أَوِ الْمُسْتَوْدَعِ، فَإِنْ كَانَ لِلْمُودِعِ فَسَوَاءٌ كَانَ مَالِكًا أَوْ مُسْتَأْجِرًا شَرْطُهُ وَاجِبٌ، وَلَيْسَ لِلْمُسْتَوْدَعِ نَقْلُهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، فَإِنْ نَقَلَهَا مَعَ ارْتِفَاعِ الضَّرُورَةِ ضَمِنَهَا، سَوَاءٌ نَقَلَهَا مِنْ دَارٍ إِلَى دَارٍ، ضَمِنَ أَوْ نَقَلَهَا مَنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ ضَمِنَ.

وَقَالَ أبو حنيفة: إِنْ نَقَلَهَا مِنْ دَارٍ إِلَى دَارٍ ضَمِنَ وَإِنْ نَقْلَهَا مِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ أَوْ مِنْ صُنْدُوقٍ إِلَى صُنْدُوقٍ لَمْ يَضْمَنِ احْتِجَاجًا بِأَنَّ الدُّورَ الْمُخْتَلِفَةَ قَدْ تَتَبَايَنُ فِي الْإِحْرَازِ، وَالْبُيُوتُ فِي الدَّارِ الْوَاحِدَةِ لَا تَتَبَايَنُ، وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْبُيُوتَ مِنَ الدَّارِ الْوَاحِدَةِ قَدْ تَخْتَلِفُ فِي الْحِرْزِ كَاخْتِلَافِ الدُّورِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ فِي نَقْلِهَا مَعَ التَّعْيِينِ تَصَرُّفًا غَيْرَ مَأْذُونٍ فِيهِ، فَصَارَ بِهِ مُتَعَدِّيًا، وجملة ذلك أن له في نقلها مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، وَالثَّانِي: مِنْ دَارٍ إِلَى دَارٍ، وَالثَّالِثُ: مِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ، وَالرَّابِعُ: مِنْ صُنْدُوقٍ إِلَى صُنْدُوقٍ، فَعِنْدَنَا يَضْمَنُ إِذَا نَقَلَهَا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الْأَرْبَعَةِ مَعَ التَّعْيِينِ، وَعِنْدَ أبي حنيفة يَضْمَنُ فِي حَالَتَيْنِ فِي الْبَلَدِ وَالدَّارِ، وَلَا يَضْمَنُ فِي حَالَتَيْنِ فِي الْبَيْتِ وَالصُّنْدُوقِ، وَإِنْ كَانَ الْحِرْزُ لِلْمُسْتَوْدَعِ فَفِي لُزُومِ مَا شَرَطَهُ لِلْمُودِعِ عَلَيْهِ مِنْ أن لا يحرزها منه وجهان:

أحدهما: قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، أَنَّهُ شَرْطٌ وَاجِبٌ، وَمَتَى أَخْرَجَهَا مِنْهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ ضَمِنَ، لِأَنَّ الْمُودِعَ لَمْ يَرْضَ لِإِحْرَازِ مَالِهِ إِلَّا مَا عَيَّنَهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَجِبُ، وَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لَهُ لَا يَضْمَنُ، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْحِرْزَ وَلَيْسَ يَسْتَحِقُّ إِلَّا الْحِفْظَ.

فَصْلٌ:

فَأَمَّا إِذَا دَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَى إِخْرَاجِهَا مِنَ الْحِرْزِ الَّذِي عَيَّنَهُ لِحِفْظِ الْوَدِيعَةِ فِيهِ مِنْ غَشَيَانِ نَارٍ أَوْ حُدُوثِ حَرِيقٍ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَنُصَّ الْمُودِعُ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْهُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ.

وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَنُصَّ، فَإِنْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى ذَلِكَ بَلْ نَهَى عَنْ إِخْرَاجِهَا مِنْهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ جَازَ مَعَ حُدُوثِ هَذِهِ الضَّرُورَاتِ الْمُتَجَدِّدَةِ إِخْرَاجُهَا، لِأَنَّ نَهْيَهُ عَنْ إِخْرَاجِهَا إِنَّمَا هُوَ لِفَرْطِ الِاحْتِيَاطِ فِي حِفْظِهَا، فَلَمْ يَجُزْ تَرْكُهَا فِي مَكَانٍ يُفْضِي إِلَى تَلَفِهَا، فَإِنْ تَرَكَهَا وَلَمْ يَنْقُلْهَا حَتَّى

<<  <  ج: ص:  >  >>