للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَاجْتَمَعْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ قِصَّةَ الْيَمَنِيِّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: يَا خَالِدُ ارْدُدْهُ عَلَيْهِ، قَالَ عَوْفٌ: فَقُلْتُ يَا خَالِدُ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمَا ذَاكَ فَأَخْبَرْتُهُ فَغَضِبَ وَقَالَ: " يَا خَالِدُ لا ترده عليه، هل أنتم تاركون لي أُمَرَائِي؟ لَكُمْ صَفْوَةُ أَمْرِهِمْ وَعَلَيْهِمْ كَدَرُهُ ".

قَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: فَلَوِ اسْتَحَقَّهُ الْقَاتِلُ لَمَا اسْتَجَازَ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْهُ لِغَضَبٍ وَلَا غَيْرِهِ، قَالُوا: وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ عَوْفٍ وَمُعَاذَ بْنَ عَمْرٍو قَتَلَا أَبَا جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ فَأَعْطَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَلَبَهُ مُعَاذَ بْنَ عَمْرٍو، فَلَوْ كَانَ لِلْقَاتِلِ مَا خَصَّ بِهِ أَحَدَهُمَا.

وَاسْتَدَلُّوا مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ بِأَنْ قَالُوا: كُلُّ مَالٍ يُسْتَحَقُّ بِالتَّحْرِيضِ عَلَى الْقِتَالِ يَجِبُ أَنْ يَتَعَلَّقَ اسْتِحْقَاقُهُ بِشَرْطِ الْإِمَامِ كَالنَّفْلِ، وَلِأَنَّ السَّلَبَ لَوِ اسْتُحِقَّ بِالْقَتْلِ لوجب إذا قتل موليا أَوْ رَمَاهُ مِنْ صِفِّهِ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ أَنْ يَسْتَحِقَّ سَلَبَهُ، فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ مَعَ وُجُودِ الْقَتْلِ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ بِالْقَتْلِ، وَلِأَنَّ السَّلَبَ لَوْ صَارَ بِالْقَتْلِ مِلْكًا لِلْقَاتِلِ لَوَجَبَ إِذَا وُجِدَ قَتِيلًا عَلَيْهِ سَلَبٌ لَا يُعْرَفُ قَاتِلُهُ أَنْ لَا يَغْنَمَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مِلْكًا لِمُسْلِمٍ لَا يُعْرَفُ، وفي إجماعهم على قسمة في الْغَنِيمَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِالْقَتْلِ.

وَدَلِيلُنَا مَا رَوَاهُ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ " وَرَوَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ: " مَنْ قَتَلَ كَافِرًا فَلَهُ سَلَبُهُ " فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيُّ يَوْمَئِذٍ عِشْرِينَ كَافِرًا فَأَخَذَ أَسَلَابَهُمْ.

وَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ: أَنَّهُ ابْتِدَاءُ شَرْعٍ بَيِّنٍ فِيهِ فَاسْتُحِقَّ بِهِ السَّلَبُ وَهُوَ الْقَتْلُ، وَاعْتَمَدَ الشَّافِعِيُّ عَلَى مَا رَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي محمد مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَامَ حُنَيْنٍ، فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ قَالَ: فَرَأَيْتُ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَدَرْتُ لَهُ حَتَّى أَتَيْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ قَالَ: فَضَرَبْتُهُ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ ضَرْبَةً، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ، فَأَرْسَلَنِي، فَلَحِقْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقُلْتُ لَهُ: مَا بَالُ النَّاسِ؟ فَقَالَ أَمْرُ اللَّهِ، ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ رَجَعُوا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ " فَقُمْتُ فَقُلْتُ مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ فَجَلَسْتُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ " فَقُمْتُ وَقُلْتُ مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ فَجَلَسْتُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ " فَقُمْتُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " مَا لَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ فَاقْتَصَصْتُ عَلَيْهِ القصة، فقال

<<  <  ج: ص:  >  >>