للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ، وَلَوْ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَى أَنْ يَبْذُلَ فِي الْبُدَاءَةِ بِدُخُولِ الْحَرْبِ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَ يَبْذُلُهُ فِي الرُّجْعَةِ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ فِي الْبُدَاءَةِ مُتَوَفِّرُونَ وَفِي الرُّجْعَةِ مَهْزُومُونَ جَازَ ثُمَّ يَكُونُ هَذَا النَّفْلُ الَّذِي جُعِلَ لَهُمْ فِي الْبُدَاءَةِ وَالرُّجْعَةِ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ وَهُوَ خُمْسِ الْخُمْسِ سَهْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمَصْرُوفُ بَعْدَهُ فِي وُجُوهِ الْمَصَالِحِ لِرِوَايَةِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يُعْطَوْنَ النَّفْلَ مِنَ الْخُمُسِ يَعْنِي خُمُسَ الْخُمُسِ؛ وَلِأَنَّهُ مَبْذُولٌ فِي الْمَصَالِحِ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْمَصَالِحِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَقَدَّرَ بِشَرْطِ الْإِمَامِ وَاجْتِهَادِهِ بِخِلَافِ السَّلَبِ كَانَ مَأْخُوذًا مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ لأمن أَصْلِ الْغَنِيمَةِ بِخِلَافِ السَّلَبِ، وَحَكَى ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلًا ثَانِيًا أَنَّهُ كَالرَّضْخُ الْمُسْتَحَقُّ مِنَ الْغَنِيمَةِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ؛ لِأَنَّ الرُّبُعَ فِي الْبُدَاءَةِ وَالثُّلُثَ فِي الرُّجْعَةِ أَكْثَرُ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ سَهْمٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَخُمُسَ الْخُمُسِ سَهْمٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ تَأْوِيلَانِ، وَهُمَا لَهُ جَوَابَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ جَعَلَ الرُّبُعَ فِي الْبُدَاءَةِ وَالثُّلُثَ فِي الرُّجْعَةِ مِمَّا اخْتَصَّتْ تِلْكَ السَّرِيَّةُ بِغَنِيمَةٍ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خُمُسَ خُمُسِ جَمِيعِ الْغَنَائِمِ ثُمَّ الَّتِي أَجَازَهَا جَمِيعَ الْخُمُسِ وَأَقَلَّ مِنْهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ عَلَى خُمُسِ الْخُمُسِ تَمَّمَهَا رَسُولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالِهِ الَّتِي خُصَّ بِهَا وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْفَيْءِ وَخُمُسُ خُمُسِهِ وَمَا يَصْطَفِيهِ لِنَفْسِهِ.

فَصْلٌ:

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: مِنَ النَّفْلِ وَهُوَ الرَّضْخُ وَالرَّضْخُ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: مَا يَرْضَخُ بِهِ الْإِمَامُ لِمَنْ لَا سَهْمَ له من العبيد والصبيان الذين يشهدون الوقيعة.

وَالثَّانِي: مَا يَرْضَخُ بِهِ لِمَنِ اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ فِي الْحَرْبِ مِنْ فَارِسٍ وَرَاجِلٍ زِيَادَةً عَلَى سَهْمِهِ لِحُسْنِ أَثَرِهِ وَلَا يَبْلُغُ بِالرَّضْخِ الزَّائِدِ سَهْمَ فَارِسٍ وَلَا رَاجِلٍ فَقَدْ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذَلِكَ وَنَفَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ سَيْفَ أَبِي جَهْلٍ وَنَفَلَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَوْمَ بَدْرٍ سَيْفَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَكَانَ يُسَمَّى ذَا الْكَاشِفَةِ وَفِي الرَّضْخِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: مِنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ.

وَالثَّانِي: مِنْ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسٍ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ.

فَصْلٌ:

وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ: مِنَ النَّفْلِ أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ أَوْ أَمِيرُ الْجَيْشِ قَبْلَ اللِّقَاءِ: مَنْ غَنِمَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ تَحْرِيضًا لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِمَا يُخَافُ مِنْ كَثْرَةِ الْعَدُوِّ وَقُوَّةِ شَوْكَتِهِمْ، فَالَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَا يُوجِبُ اخْتِصَاصَ كُلِّ إِنْسَانٍ بِمَا أَخَذَهُ، وَالْوَاجِبُ رَدُّ جَمِيعِهِ إِلَى الْمَغْنَمِ، وَإِخْرَاجُ خُمُسِهِ، وَقِسْمَةُ أَرْبَعَةِ أَخْمَاسِهِ فِي جَمِيعِ مَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ.

وَقَالَ أبو حنيفة: وَهَذَا الشَّرْطُ لَازِمٌ، وَمَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ وَلَا يُخَمَّسُ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ غَزَوْا وَبِهِ رَضَوْا.

<<  <  ج: ص:  >  >>