للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ كَانُوا فُرْسَانًا وَرَجَّالَةً فَضَّلَ الْفَارِسَ عَلَى الرَّاجِلِ.

وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِ مَا يُفَضِّلُ بِهِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ: إِلَى أَنَّهُ يُعْطِي الْفَارِسَ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ، سَهْمًا لَهُ وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ، وَيُعْطِي الرَّاجِلَ سَهْمًا وَاحِدًا. وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَمِنَ التَّابِعِينَ: عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ: مَالِكٌ مَعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَالْأَوْزَاعِيُّ مَعَ أَهْلِ الشَّامِ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ مَعَ أَهْلِ مِصْرَ، وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ مَعَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، وَالثَّوْرِيُّ وأبو يوسف ومحمد مَعَ أَهْلِ الْعِرَاقِ، إِلَّا أبا حنيفة وَحْدَهُ فَإِنَّهُ تَفَرَّدَ عَنْهُمْ فَذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ يُعْطِي الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ وَالرَّاجِلَ سَهْمًا اسْتِدْلَالًا بِرِوَايَةِ عُبَيدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ فَبِرِوَايَةِ الْمِقْدَادِ قَالَ أَعْطَانِي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سَهْمًا لِي وَسَهْمًا لِفَرَسِي وَبِرِوَايَةِ مَجْمَعِ بْنِ حَارِثَةَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَيْبَرَ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَكَانَ الْجَيْشُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فَمِنْهُمْ ثَلَاثُمِائَةِ فَارِسٍ فَأَعْطَى الْفَارِسَ سهمين، والراجل سهما؛ لأنه جعل لثلاث مائة فَارِسٍ سِتَّمِائَةِ سَهْمٍ حَتَّى صَارَ لِكُلِّ مِائَةٍ مِنْهُمْ سَهْمٌ وَاحِدٌ مِنْ خَيْبَرَ.

وَمِنَ الْقِيَاسِ: أَنَّهُ حَيَوَانٌ يُسْهَمُ لَهُ؛ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُزَادَ عَلَى سَهْمٍ كَالرَّاجِلِ؛ وَلِأَنَّ الْفَرَسَ تَبَعٌ أَلَا تَرَاهُ لَوْ حَضَرَ بِلَا صَاحِبِهِ لَمْ يُسْهَمْ لَهُ، وَلَوْ حَضَرَ صَاحِبُهُ بِلَا فَرَسٍ أُسْهِمَ لَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَهْمُ التَّابِعِ أَفْضَلَ مِنْ سَهْمِ الْمَتْبُوعِ؛ وَلِأَنَّ عَنَاءَ صَاحِبِهِ أَكْثَرُ تَأْثِيرًا وَتَأْثِيرُهُ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُقَاتِلُ دُونَ الْفَرَسِ، وَسَهْمُ الْغَنِيمَةِ إِنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِحَسَبِ الْعَنَاءِ وَعَلَى قَدْرِ الْبَلَاءِ؛ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُفَضَّلَ مَا قَلَّ تَأْثِيرُهُ عَلَى مَا كَثُرَ قَالَ أبو حنيفة: لِأَنَّ فِي إِعْطَاءِ الْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَصَاحِبِهِ سَهْمًا تَفْضِيلًا لِلْبَهِيمَةِ عَلَى الْآدَمِيِّ وَإِنِّي لِأَسْتَحِي أَنَّ أُفَضِّلَ بَهِيمَةً عَلَى آدَمِيٍّ.

قَالَ أَصْحَابُهُ: وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُسْهَمَ لِلْفَرَسِ؛ لِأَنَّهُ آلَةٌ كَالسِّلَاحِ؛ وَلِأَنَّهُ بَهِيمَةٌ كَالْبِغَالِ، وَلَكِنْ صِرْنَا إِلَى إِعْطَائِهِ سَهْمًا وَاحِدًا بِالْإِجْمَاعِ وَمَنَعَ الْقِيَاسُ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ.

ودليلنا ما رواه عُبَيدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَسْهَمَ لِلرَّاجِلِ وَلِفَرَسِهِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ سَهْمًا لَهُ، وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ، وَقَدْ رَوَى جَابِرٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ قَالُوا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يسهم للفارس

<<  <  ج: ص:  >  >>