للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ فَكَيْفَ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ لَقِيتُهُ فِي أَنْ لَيْسَ لِلْمَمَالِيكِ فِي الْعَطَاءِ حَقٌّ فَادَّعَى فِي ذَلِكَ الْإِجْمَاعَ، وَأَبُو بَكْرٍ قَدْ خَالَفَ وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ مَعَ خِلَافِهِ فَعَنْ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ صَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَنْ لَقِيَهُ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ وَهُوَ لَمْ يُعَاصِرِ الصَّحَابَةَ.

وَالثَّانِي: قَدْ يَعْقُبُ خِلَافَ الصَّحَابَةِ إِجْمَاعُ مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْأَعْصَارِ فَصَارَ حُكْمُ الْخِلَافِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أصحابنا مرتفعا.

والثالث: أنه أشار ذلك إِلَى عَبِيدِ الْخِدْمَةِ لَا عَبِيدِ الْمُقَاتِلَةِ وَلَمْ يعطهم أبو بكر ولا أحد بعدهم شَيْئًا.

فَصْلٌ:

فَأَمَّا الْأَعْرَابُ فَالْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ لَمْ يَثْبُتْ فِي دِيوَانَ الْجَيْشِ، وَلَا الْتَزَمَ مُلَازَمَةَ الْجِهَادِ وَلَكِنْ يَغْزُو إِذَا أَرَادَ وَيَقْعُدُ إِذَا شَاءَ، فَهَؤُلَاءِ هُمُ الْمُسَمَّوْنَ أَعْرَابًا سَوَاءً كَانُوا عَرَبًا أَوْ عَجَمًا فَيُعْطَى هَؤُلَاءِ إِذَا غزو مِنَ الصَّدَقَاتِ مِنْ سَهْمِ سَبِيلِ اللَّهِ مَا يُعِينُهُمْ عَلَى غَزْوِهِمْ وَلَا يُعْطَوْنَ مِنْ مَالِ الْفَيْءِ شَيْئًا، فَإِنْ دَخَلُوا فِي أَهْلِ الْفَيْءِ وَأَثْبَتُوا أَنْفُسَهُمْ فِي الدِّيوَانِ وَالْتَزَمُوا الْجِهَادَ مَعَهُمْ، إِذَا جَاهَدُوا صَارُوا فِي عَدَدِ الْجَيْشِ وَمِنْ جُمْلَةِ الْمُقَاتِلَةِ فَيُفْرَضُ لَهُمْ فِي عَطَاءِ أَهْلِ الْفَيْءِ وَيُخْرَجُوا مِنْ عِدَادِ أَهْلِ الصَّدَقَةِ وَيُحْرَمُوا مَا كَانُوا يُعْطَوْهُ مِنْهَا كَيْ لَا يَجْمَعُوا بَيْنَ مَالِ الصَّدَقَةِ وَمَالِ الْفَيْءِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَدْ مَيَّزَ أَهْلَ الصَّدَقَةِ مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ فِي أَيَّامِهِ وَكَذَلِكَ خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ مِنْ بَعْدِهِ فَصَارَ الْغُزَاةُ ضَرْبَيْنِ.

أَهْلَ صَدَقَةٍ وَهُمْ مَا ذَكَرْنَا.

وَأَهْلَ فَيْءٍ وَهُمْ مَنْ وَصَفْنَا، وَحُكْمُهُمَا مُتَمَيِّزٌ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَكَانَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَجْعَلُ الْأَعْرَابَ الْمُعْطَوْنَ مِنَ الصَّدَقَةِ دُونَ الْفَيْءِ الَّذِينَ هُمْ أَشْذَاذٌ مُفْتَرِقُونَ لَا يَرْهَبُهُمُ الْعَدُوُّ وَلَا يَسْتَعِينُ بِهِمُ الْإِمَامُ، فَإِنْ قَوِيَ جَمْعُهُمْ وَكَثُرَ عَدَدُهُمْ حَتَّى رَهِبَهُمُ الْعَدُوُّ وَاسْتَعَانَ بِهِمُ الْإِمَامُ صَارُوا مِنْ أَهْلِ الْفَيْءِ وَالْأَوَّلُ هُوَ المذهب والله أعلم.

[مسألة:]

قال الشافعي: " وَاخْتَلَفُوا فِي التَّفْضِيلِ عَلَى السَّابِقَةِ وَالنَّسَبِ فَمِنْهُمْ من قال أسوي بين الناس فإن أبا بكر رضي الله عنه حين قال له عمر أتجعل للذين جاهدوا في سبيل اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَهَجَرُوا دِيَارَهُمْ كَمَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ كَرْهًا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّمَا عَمِلُوا لِلَّهِ وَإِنَّمَا أُجُورُهُمْ عَلَى اللَّهِ وَإِنَّمَا الدنيا بلاغ وسوى علي بن أبي طالب رضي الله عنه بين الناس ولم يفضل (قال الشافعي) رحمه الله: وهذا الذي أختاره وأسأل الله التوفيق وذلك أني رأيت الله تعالى قسم المواريث على العدد فسوى فقد تكون الإخوة متفاضلي الغناء عن الميت في الصلة في الحياة والحفظ بعد الموت وَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قسم لمن حضر الوقعة من الأربعة الأخماس على العدد فسوى ومنهم من يغنى غاية الغناء ويكون الفتوح على يديه ومنهم من يكون محضره إما غير نافع وإما ضارا بالجبن والهزيمة فلما

<<  <  ج: ص:  >  >>