للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِمَامَتَهُ تَبْطُلُ بِجَوْرِهِ كَمَا تَبْطُلُ بِعَزْلِهِ وَخَلْعِهِ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ لَوْ قَبَضَهَا بَعْدَ خَلْعِ نَفْسِهِ لَمْ تَقَعْ مَوْقِعَ الْإِجْزَاءِ كَذَلِكَ إِذَا قَبَضَهَا بَعْدَ جَوْرِهِ.

وَتَحْرِيرُهُ: إِنَّ مَا أَبْطَلَ إِمَامَتَهُ مَنَعَ مِنْ إِجْزَاءِ قَبْضِهِ كَالْخَلْعِ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْخَبَرِ، فَمِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: اخْتِصَاصُ الْوِزْرِ بِالْإِمَامِ دُونَ الْأَحْكَامِ.

وَالثَّانِي: إِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ وِزْرُهُ إِلَى غَيْرِهِ لَمْ يَتَعَدَّ وَزِرُ غَيْرِهِ إِلَيْهِ، وَرَبُّ الْمَالِ مَأْخُوذٌ بِوِزْرِ زَكَاتِهِ حَتَّى تَصِلَ إِلَى مُسْتَحِقِّهَا فَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ وِزْرُهَا لَهَا.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْحُدُودِ فَهِيَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَحْضَةِ الَّتِي لَا حَقَّ فِيهَا لِآدَمِيٍّ وَالْمَقْصُودُ بِهَا الزَّجْرُ الْحَاصِلُ بَعْدَ الْإِمَامِ وَجَوْرِهِ، وَلِذَلِكَ جَوَّزْنَا لِغَيْرِ الْإِمَامِ مِنْ سَيِّدِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ أَنْ يَحُدَّهُمَا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الزَّكَاةُ، وَالْمَقْصُودُ بِهَا وُصُولُهَا إِلَى مُسْتَحِقِّهَا، وَذَلِكَ بِجَوْرِ الْإِمَامِ مَعْدُومٌ فَافْتَرَقَا.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْوَكِيلِ فَالْمَعْنَى فِي الْوَكِيلِ أَنَّ وِكَالَتَهُ لَا تَبْطُلُ بِجِنَايَتِهِ؛ فَلِذَلِكَ صَحَّ قَبْضُهُ، وَالْإِمَامُ تَبْطُلُ وِلَايَتُهُ بِجَوْرِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ قَبْضُهُ.

فَصْلٌ:

وَإِذَا قِيلَ بِالْقَوْلِ الْجَدِيدِ: إِنَّ دَفْعَ الزَّكَاةِ إِلَى الْإِمَامِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَإِنَّ تَفْرِيقَ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ لَهَا جَائِزٌ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ جَائِرًا لَمْ يَجُزْ دَفْعُهَا إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَادِلًا كَانَ رَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ فِي زَكَاةِ مَالَيْهِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ بَيْنَ دَفْعِهَا إِلَى الْإِمَامِ أَوْ تَفْرِيقِهَا بِنَفْسِهِ، فَإِنْ أَرَادَ دَفْعَهَا إِلَى الْإِمَامِ كَانَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَهَا إِلَى الْإِمَامِ وَهُوَ أَفْضَلُ أَوْ إِلَى عَامِلِهِ وَإِنْ أَرَادَ تَفْرِيقَهَا بِنَفْسِهِ كَانَ بِالْخِيَارِ أَنْ يَتَوَلَّاهَا بِنَفْسِهِ وَهُوَ أَفْضَلُ أَوْ بِوَكِيلِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا أَفْضَلُ الْأَمْرَيْنِ؟ أَنْ يَدْفَعَ زكاة ماله إلى الإمام أو تفريقها بِنَفْسِهِ.

قِيلَ: إِنْ كَانَ مَالُهُ ظَاهِرًا فَدَفَعَ زَكَاتَهُ إِلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ إِظْهَارِ الطَّاعَةِ بِأَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ الْجَمَاعَةُ، وَإِنْ كَانَ مَالُهُ بَاطِنًا فَتَفَرُّدُهُ بِإِخْرَاجِ زَكَاتِهِ أَفْضَلُ مِنْ دَفْعِهَا إِلَى الْإِمَامِ لِمَا قَدِ اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ فِعْلُ الْأَئِمَّةِ الرَّاشِدِينَ مِنْ إِقْرَارِ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ عَلَى إِخْرَاجِهَا، وَلِتَكُونَ مُبَاشَرَةُ التَّأْدِيَةِ مَا لَزِمَهُ مِنْ حَقِّهَا وَلِيَخُصَّ أَقَارِبَهُ وَذَوِي رَحِمِهِ بِهَا.

فَإِنْ قِيلَ: فَأَيُّ الْأَمْرَيْنِ أَفْضَلُ فِي تَفْرِيقِ الزَّكَاةِ؟ أَنْ تُخْفَى أَوْ تُبْدَى؟

قِيلَ: إِنْ كَانَ الْإِمَامُ هُوَ الْمُفَرِّقُ لَهَا فَإِبْدَاؤُهَا أفضل من إخفائها سواء كان زَكَاةَ مَالٍ ظَاهِرٍ أَوْ بَاطِنٍ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِيهَا فَكَانَ إِظْهَارُ إِخْرَاجِهَا أَفْضَلَ لَهُ مِنْ إِخْفَائِهَا وَكَتْمِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُفَرِّقُ لَهَا رَبَّ الْمَالِ فَإِنْ كَانَتْ زَكَاةَ مَالٍ ظَاهِرٍ فَالْأَفْضَلُ لَهُ إِظْهَارُهَا بِالْعُدُولِ أَهْلِ السُّهْمَانِ عَنِ الْإِمَامِ إِلَيْهِ، وَلِيَعْلَمَ الْإِمَامُ أَنَّهُ قَدْ أَخْرَجَ مَا عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ زَكَاةَ مَالٍ بَاطِنٍ فَالْأَفْضَلُ لَهُ إِخْفَاؤُهَا إِذَا أَخْرَجَهَا مِنْ أَنْ يَجْهَرَ بِهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فهو خير لكم} وَلِأَنَّ إِخْفَاءَهُ فِي حَقِّهِ أَبْعَدُ مِنَ الرِّيَاءِ، وَفِي حَقِّ أَهْلِ السُّهْمَانِ أَبْعَدُ مِنَ الِاسْتِحْيَاءِ، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>