للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: زَكَاةُ الْفِطْرِ جَعَلَ مَالِكٌ مَصْرِفَهَا فِي المساكين خاصة، وقال أبو سعيد الاصطرخي: إِنْ فُرِّقَتْ فِي ثَلَاثَةِ فُقَرَاءَ أَجْزَأَتْ.

وَالثَّالِثُ: الْمَعَادِنُ.

وَالرَّابِعُ: الرِّكَازُ، جَعَلَ أبو حنيفة مَصْرِفَهَا الْفَيْءَ اسْتِدْلَالًا بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ:

أَحَدُهَا: إِنَّ الْمُسْتَحَقَّ فِيهَا الْخُمُسُ كَالْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ مُبَايَنَةً لِمَقَادِيرِ الزَّكَوَاتِ كُلِّهَا، فَانْصَرَفَ مَصْرِفَ الْفَيْءِ لَا مَصْرِفَ الزَّكَاةِ.

وَالثَّانِي: إِنَّ الْحَقَّ فِيهَا مُعَجَّلٌ وَفِي الزَّكَاةِ مُؤَجَّلٌ فَلَوْ جَرَيَا مَجْرَى الزَّكَاةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَتَأَجَّلَتْ وَلَمَا تَعَجَّلَتِ الْمَأْخُوذَةُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ.

وَالثَّالِثُ: إِذَا اعْتُبِرَ بِالرِّكَازِ حَالُ الدَّافِنِ أَنَّهُ كَافِرٌ، وَقَدْ مُلِكَ عَنْهُ كَالْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ.

وَدَلِيلُنَا، قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ " وَلِأَنَّهُ حق يجب فِي مَالِ مُسْلِمٍ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ فَيْئًا كَالزَّكَاةِ، وَلِأَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ لَمَّا خَرَجَتْ عَنْ حُكْمِ الْفَيْءِ خَرَجَ خُمُسُهُ عَنْ حُكْمِ الْفَيْءِ.

وَتَحْرِيرُهُ أَنَّ مَا لَمْ يَجُزْ عَلَى الْمُسْتَبْقَى مِنْهُ حُكْمُ الْفَيْءِ لَمْ يَجُزْ عَلَى الْمَأْخُوذِ مِنْهُ حُكْمُ الْفَيْءِ كَسَائِرِ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَلِأَنَّ حَقَّ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ لَمَّا اخْتُصَّ بِبَعْضِ أَمْوَالٍ دُونَ بَعْضٍ كَالزَّكَاةِ كَانَ زَكَاةً وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ فَيْئًا لِاسْتِوَاءِ حُكْمِهِ فِي جَمِيعِ الْأَمْوَالِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِ بِاسْتِحْقَاقِ الْخُمُسِ فِيهِ فَهُوَ أَنَّ مَقَادِيرَ الزَّكَوَاتِ مُخْتَلِفَةٌ فَتَارَةً يَكُونُ رُبُعَ الْعُشْرِ وَتَارَةً نِصْفَ الْعُشْرِ وَتَارَةً الْعُشْرَ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ ذَلِكَ زَكَاةً فَكَذَلِكَ تَكُونُ تَارَةً الْخُمُسَ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ أَنْ يَكُونَ زَكَاةً وَيَكُونُ اخْتِلَافُ الْمَقَادِيرِ بِحَسَبَ اخْتِلَافِ الْمُؤَنِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَا سُقِيَ بِنَاضِحٍ أَوْ رِشَاءٍ لَمَّا كثرت مؤنته قَلَّتْ زَكَاتُهُ، فَكَانَتْ نِصْفَ الْعُشْرِ وَمَا بِسَيْحٍ أو سماء لما قلت مؤونته كَثُرَتْ زَكَاتُهُ، فَكَانَتِ الْعُشْرَ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلرِّكَازِ مُؤْنَتُهُ أُضْعِفَتْ زَكَاتُهُ فَكَانَتِ الْخُمُسَ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِ بِتَعْجِيلِ الْحَقِّ فِيهِ فَهُوَ لِأَنَّهُ تَعَجَّلَتِ الْفَائِدَةُ بِهِ فَتَعَجَّلَ الْحَقُّ، وَمَا تَأَجَّلَتِ الْفَائِدَةُ بِهِ تَأَجَّلَ الْحَقُّ فِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَا لَمْ تَكْمُلْ فَائِدَتُهُ إِلَّا بِالْحَوْلِ رُوعِيَ فِيهِ الْحَوْلُ كَالْمَوَاشِي، وَمَا كَمُلَتْ فائدته قبل الحول لم يراعى فِيهِ الْحَوْلُ كَالزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اعْتِبَارِهِ بِحَالِ الدَّافِنِ دُونَ الْوَاجِدِ فَهُوَ أَنَّ اعْتِبَارَهُ بِالْوَاجِدِ دُونَ الدَّافِنِ أَوْلَى مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ اعْتُبِرَ بِحَالِ الدَّافِنِ لَمَّا جَازَ أَنْ يُمَلَّكَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِمَنْ لَا يُمَلَّكُ عَلَيْهِ مَالُهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ مَنْ هُوَ عَلَى دِينِ مُوسَى وَعِيسَى قَبْلَ التَّبْدِيلِ أَوْ لِمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ، وَكُلُّ هَؤُلَاءِ لَا يَجُوزُ أَنْ تُمَلَّكَ عَلَيْهِمْ أَمْوَالُهُمْ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْتَبَرَ بِهِ الدَّافِنُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>