للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أن تصادقهما بغنى عن البينة بعد إحلافهما؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِالتَّصَادُقِ مُكَاتَبًا فِي الظَّاهِرِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّهُ لَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُمَا مع التصادق إلا ببينة لأنهما قد يتواطآن عَلَى ذَلِكَ اجْتِلَابًا لِلنَّفْعِ.

وَأَمَّا الْغَارِمُونَ فَمَنِ اسْتَدَانَ مِنْهُمْ فِي إِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ فَحَالُهُ فيه أظهر من أن يكلف عليه بينة فَإِنْ شُكَّ فِي قَضَائِهِ الدَّيْنَ مِنْ مَالِهِ أُحْلِفَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ وَمَنْ أَدَانَ فِي مَصْلَحَةِ نَفْسِهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَإِنْ تَصَادَقَ الْغَارِمُ وَرَبُّ الدَّيْنِ كَانَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْوَجْهَيْنِ.

وَأَمَّا ابْنُ السَّبِيلِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي فَقْرِهِ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي إِرَادَتِهِ لِلسَّفَرِ، وَفِي إِحْلَافِهِ عَلَى أَنَّهُ مُرِيدٌ لِلسَّفَرِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَحْلِفُ عَلَى إِرَادَةِ السَّفَرِ وَلَا يُعْطَى إِلَّا بَعْدَ يَمِينِهِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُحْلَفُ لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يُسَافِرِ اسْتُرْجِعَ مِنْهُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ.

وَأَمَّا الْغَازِي فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا يُرِيدُ أَنْ يَسْتَأْنِفَهُ مِنْ غَزْوِهِ وَهَلْ يَحْلِفُ عَلَى إِرَادَةِ الْغَزْوِ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَحْلِفُ وَهُوَ قَوْلُ الْمَرْوَزِيِّ.

وَالثَّانِي: لَا يَحْلِفُ وَهُوَ قَوْلُ ابن أبي هريرة.

[مسألة:]

قال الشافعي: " وَسَهْمُ سَبِيلِ اللَّهِ كَمَا وَصَفْتُ يُعْطَى مِنْهُ مَنْ أَرَادَ الْغَزْوَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ فَقِيرًا كَانَ أَوْ غَنِيًّا وَلَا يُعْطَى مِنْهُ غَيْرُهُمْ إِلَّا أَنْ يُحْتَاجَ إِلَى الدَّفْعِ عَنْهُمْ فَيُعْطَاهُ مَنْ دَفَعَ عَنْهُمُ الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُ يَدْفَعُ عَنْ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ.

سَهْمُ سَبِيلِ اللَّهِ مَصْرُوفٌ فِي الْغَزَاةِ، وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة وَمَالِكٍ.

وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: وَهُوَ مَصْرُوفٌ فِي الْحَجِّ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا جَعَلَ نَاقَةً لَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَرَادَتِ امْرَأَتُهُ أَنْ تَحُجَّ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ارْكَبِيهَا فَإِنَّ الْحَجَّ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ ".

وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّ سَبِيلَ اللَّهِ إِذَا أُطْلِقَ فَهُوَ محمول على الغزو ولقوله تعالى: {وجاهدوا في

<<  <  ج: ص:  >  >>