للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يضمن والآخر كالوالي لا يضمن (قال المزني) ولم يختلف قوله في الزكاة أن رب المال يَضْمَنُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي زَكَاةٍ دُفِعَتْ إِلَى مُسْتَحِقٍّ لَهَا فِي الظَّاهِرِ فَبَانَ غَيْرَ مُسْتَحِقٍّ لَهَا فِي الْبَاطِنِ فَهَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: مَا يَكُونُ الضَّمَانُ فِيهِ عَلَى الدَّافِعِ وَاجِبًا سَوَاءً كَانَ الدَّافِعُ لَهَا إِمَامًا أَوْ مَالِكًا.

وَالثَّانِي: مَا لَا يَجِبُ فِيهِ الضَّمَانُ عَلَى الدَّافِعِ سَوَاءً كَانَ إِمَامًا أَوْ مَالِكًا.

وَالثَّالِثُ: مَا يَخْتَلِفُ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ فِيهِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الدَّافِعِ إِنْ كَانَ إِمَامًا أَوْ مَالِكًا.

فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الضَّمَانُ عَلَى الدَّافِعِ إِمَامًا كَانَ أَوْ مَالِكًا فَهُوَ أَنْ تُدْفَعَ إِلَى مَنْ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إِلَيْهِ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ يَشْهَدُ عَلَى سَبَبِ اسْتِحْقَاقِهِ كَالْمُكَاتَبِ وَالْغَارِمِ، فَإِذَا دَفَعَهَا إِلَى مَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ مُكَاتَبٌ أَوْ غَارِمٌ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ غَيْرُ مُكَاتَبٍ وَلَا غَارِمٍ فَعَلَى الدَّافِعِ الضَّمَانُ إِمَامًا كَانَ أَوْ مَالِكًا؛ لِأَنَّ إِخْلَالَهُ بِالْبَيِّنَةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي جَوَازِ الدَّفْعِ تَفْرِيطٌ مِنْهُ، فإن أمكنه استرجاعها من المدفوع إليه مكان مُسْتَرْجِعًا لَهَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ لَا فِي حَقِّ أَهْلِ السُّهْمَانِ لِوُجُوبِ ضَمَانِهَا عَلَيْهِ فَلَوْ دَفَعَهَا بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ بَانَ أَنَّ الْبَيِّنَةَ شَهِدَتْ بِزُورٍ أَوْ خَطَأٍ كَانَتِ الْبَيِّنَةُ ضَامِنَةً فَإِنْ كَانَ الدَّافِعُ إِمَامًا ضَمِنَتِ الْبَيِّنَةُ ذَلِكَ لَأَهْلِ السُّهْمَانِ وَكَانَ الْإِمَامُ بَرِيئًا مِنَ الضَّمَانِ وَإِنْ كَانَ الدَّافِعُ مَالِكًا كَانَتِ الْبَيِّنَةُ ضَامِنَةً لِلْمَالِكِ الَّذِي هُوَ رَبُّ الْمَالِ وَكَانَ وُجُوبُهَا بَاقِيًا فِي ذِمَّةِ رَبِّ الْمَالِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ لِلْإِمَامِ وِلَايَةً عَلَى أَهْلِ السُّهْمَانِ لَيْسَتْ لِرَبِّ الْمَالِ.

فَصْلٌ:

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي الَّذِي لَا يَجِبُ فِيهِ الضَّمَانُ عَلَى الدَّافِعِ سَوَاءً كَانَ إِمَامًا أَوْ مَالِكًا فَهُوَ أَنْ يَدْفَعَهَا إِلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهَا بِسَبَبٍ يَسْتَحْدِثُهُ كَابْنِ السَّبِيلِ وَالْغَازِي فَلَا يُسَافِرُ ابْنُ السَّبِيلِ وَلَا يَغْزُو الْغَازِي فَلَا ضَمَانَ عَلَى الدَّافِعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ تَفْرِيطٌ فِي الدَّفْعِ سَوَاءً كَانَ إِمَامًا أَوْ مَالِكًا؛ لِأَنَّ بِالدَّفْعِ قَدْ سَقَطَتِ الزَّكَاةُ عَنْ رَبِّ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مراعا بِإِحْدَاثِ سَفَرٍ أَوْ جِهَادٍ لَكِنَّ عَلَى الدَّافِعِ مُطَالَبَةَ الْمَدْفُوعِ إِلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ عَامُ الزَّكَاةِ بَاقِيًا خَيَّرَهُ فِي الْمُطَالَبَةِ بَيْنَ رَدِّ مَا أَخَذَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَسْتَأْنِفَ سَفَرًا، وَغَزْوًا، وَإِنْ كَانَ عَامُ الزَّكَاةِ قَدِ انْقَضَى طَالَبَهُ بِالرَّدِّ مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ؛ لِأَنَّ زَكَاةَ كُلِّ عَامٍ مُسْتَحَقَّةٌ لِأَهْلِهَا فِي ذَلِكَ الْعَامِ، لَا فِي غَيْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَرْجِعْ مِنْهُ حَتَّى سَافَرَ وَغَزَا فِي الْعَامِ الثَّانِي نَظَرَ فَإِنْ كَانَ قَدْ أَخَذَ فِي الْعَامِ الثَّانِي مِنْ زَكَاةٍ ثَانِيَةٍ اسْتَرْجَعَ مِنْهُ مَا أَخَذَهُ فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ فِي الْعَامِ الثَّانِي مَا اسْتَحَقَّهُ بِسَفَرِهِ وَغَزْوِهِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَأْخُذْ فِي الْعَامِ الثَّانِي مِنْ زَكَاةٍ ثَانِيَةٍ يَسْتَرْجِعُ مِنْهُ مَا أَخَذَهُ فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ، وَكَانَتْ بِمَثَابَةِ زَكَاةٍ أُخِّرَتْ مِنْ عَامٍ إِلَى عَامٍ، فَإِنَّهَا تَقَعُ مَوْقِعَ الْإِجْزَاءِ، وَإِنْ كَرِهَ التَّأْخِيرَ مَعَ إِمْكَانِ التَّعْجِيلِ فَلَوْ مَاتَ الْمَدْفُوعُ إِلَيْهِ قَبْلَ السَّفَرِ وَالْغَزْوِ وَلَمْ يَكُنِ اسْتِرْجَاعُ مَا أَخَذَ، كَانَ ذَلِكَ تَالِفًا فِي حَقِّ أهل السهمان.

<<  <  ج: ص:  >  >>