للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُكْمِ أُمَّتِهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحِلُّ لِأُمَّتِهِ، وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اسْتَمْتَعَ بِأَمَتِهِ رَيْحَانَةَ بِنْتِ عَمْرٍو بِمِلْكِ يَمِينِهِ، وَكَانَتْ يَهُودِيَّةً مِنْ سَبْيِ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَعَرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَأَبَتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ مِنْ بَعْدُ، فَلَمَّا بُشِّرَ بِإِسْلَامِهَا سُرَّ بِهِ، وَالْكُفْرُ فِي الْأَمَةِ أَغْلَظُ مِنْهُ فِي الْحُرَّةِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ حَرَامٌ، وَنِكَاحَ الْحُرَّةِ الْكِتَابِيَّةِ مُبَاحٌ، فما لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ الْأَمَةُ الْكِتَابِيَّةُ فَأَوْلَى أَنْ لَا تَحْرُمَ عَلَيْهِ الْحُرَّةُ الْكِتَابِيَّةُ، فَعَلَى هَذَا إِذَا نَكَحَ الْكِتَابِيَّةَ فَهَلْ عَلَيْهِ تَخْيِيرُهَا أَنْ تُسْلِمَ فَيُمْسِكَهَا، أَوْ تُقِيمَ عَلَى دِينِهَا فَيُفَارِقَهَا؟ فِيهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: عَلَيْهِ تَخْيِيرُهَا، فَإِنْ أَسْلَمَتْ ثَبَتَ نِكَاحُهَا، وَإِنْ أَقَامَتْ عَلَى دِينِهَا فَارَقَهَا لِيَصِحَّ أَنْ تَكُونَ مِنْ أَزْوَاجِهِ فِي الْآخِرَةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَا خَيَّرَ رَيْحَانَةَ، وَقَدْ عَرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَأَبَتْ وَأَقَامَ عَلَى الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، فَأَمَّا الْأَمَةُ فَلَمْ يَخْتَلِفْ أَصْحَابُنَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يتزوجها، وإن جاز أن يستمتع بها لملك يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْأَمَةِ مَشْرُوطٌ بِخَوْفِ الْعَنَتِ، وهذا غير مجوز عليه.

[فصل]

والمسألة الثالثة: أن اخْتَلَفُوا هَلْ كَانَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ فِي إِحْرَامِهِ، فَذَهَبَ أَبُو الطِّيبِ بْنُ سَلَمَةَ إِلَى جوازه له خُصُوصًا لِرِوَايَتِهِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ مُحْرِمًا، وَذَهَبَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا إِلَى أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنَ النِّكَاحِ فِي الْإِحْرَامِ كَغَيْرِهِ مِنْ أُمَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ وَإِيَّاهُمْ فِي مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ سَوَاءٌ وَمَا نَكَحَ مَيْمُونَةَ إلا حلالاً.

وَالْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: إِنِ اخْتَلَفُوا فِي الَّتِي خَطَبَهَا هَلْ يَلْزَمُهَا إِجَابَتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يَلْزَمُهَا إِجَابَتُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {استَجِيبُوا للهِ وَلِلْرَسُولِ إذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْييكُمْ) {الأنفال: ٢٤) .

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهَا إِجَابَتُهُ كَمَا لَا يَلْزَمُهَا إِجَابَةُ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ عُقُودَ الْمَنَاكِحِ لَا تَصِحُّ إِلَّا عَنْ مُرَاضَاةٍ.

وَالْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: إِنِ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا فِي عَقْدِ نِكَاحِهَا مَهْرًا هَلْ يَلْزَمُهُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يلزم كما يلزم غيره لقوله تعالى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا ".

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّوَصُّلُ إلى ثواب الله تعالى.

والمسألة السادسة: أن اخْتَلَفُوا فِيمَا يَمْلِكُهُ مِنَ الطَّلَاقِ هَلْ هُوَ مَحْصُورٌ بِعَدَدٍ أَمْ مُرْسَلٌ بِغَيْرِ أَمَدٍ؟ عَلَى وجهين:

<<  <  ج: ص:  >  >>