للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ: " لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عدلٍ " فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ فِي كُلِّ نكاح من صغيره وكبيره وشريفة ودنية وَبِكْرٍ وَثَيِّبٍ.

فَإِنْ قَالُوا: نَحْنُ نَقُولُ بِمُوجِبِهِ، لِأَنَّ الْمَرْأَةَ وَلِيَّةُ نَفْسِهَا فَإِذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا كان نكاحها بولي.

فعن ذلك جوابان أَنَّهُ خِطَابٌ لَا يُفِيدُ، لِعِلْمِنَا أَنَّهُ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِمَنْكُوحَةٍ وَلَا يَتَمَيَّزُ عَنْ سَائِرِ الْعُقُودِ، وَقَدْ خُصَّ النِّكَاحُ بِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ: " لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ " يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ رَجُلًا، وَلَوْ كَانَتْ هِيَ الْمُرَادُ لَقَالَ: لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيَّةٍ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدِ الزَّنْجِيِّ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، وَإِنْ مَسَّهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا فَإِنِ اشْتَجَرُوا - أَوْ قَالَ: اخْتَلَفُوا - فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ.

وَهَذَا نَصٌّ فِي إِبْطَالِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ وَلَا تَمْيِيزٍ، واعترضوا عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِثَلَاثَةِ أَسْئِلَةٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ قَالُوا: مَدَارُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ وَقَدْ رَوَى ابْنُ عُلَيَّةَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أنه قال لقيت الزهري فسألته عنه قال: لَا أَعْرِفُهُ وَعَنْهُ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ قَدْ رَوَاهُ عَنِ الزَّهْرِيِّ أَرْبَعَةٌ: سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، وَجَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ، وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، وَرَوَاهُ عَنْ عُرْوَةَ ثَلَاثَةٌ: الزُّهْرِيُّ وَهُشَامُ بْنُ عُرْوَةَ وَأَبُو الْغُصْنِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ فَلَمْ يَصِحَّ إِضَافَةُ إِنْكَارِهِ إِلَى الزهري مع العدد الذي رووه عنه، ولو صح إنكاره له لما أثر فيه من رِوَايَةِ غَيْرِ الزُّهْرِيِّ لَهُ عَنْ عُرْوَةَ.

وَالثَّانِي: مَا قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ: أَنَّ الزُّهْرِيَّ أَنْكَرَ سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى وَقَالَ لَا أَعْرِفُهُ وَإِلَّا فَالْحَدِيثُ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُنْكِرَهُ الزُّهْرِيُّ وَلَا يَعْرِفَهُ وَلَيْسَ جَهْلُ الْمُحَدِّثِ بِالرَّاوِي عَنْهُ مَانِعًا مِنْ قَبُولِ رِوَايَتِهِ عَنْهُ، وَلَا مَعْرِفَتُهُ شَرْطًا فِي صِحَّةِ حَدِيثِهِ.

وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِإِنْكَارِ الْمُحَدِّثِ لِلْحَدِيثِ بَعْدَ رِوَايَتِهِ عَنْهُ، وليس استدامة ذكر

<<  <  ج: ص:  >  >>