للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وِلَايَتُهُمْ حَتَّى تَجَاوَزَتْ وِلَايَةَ النِّكَاحِ إِلَى وِلَايَةِ المال فصاروا بذلك أعجز، ولأنه مِنَ الْعَصَبَاتِ، وَإِنْ كَانَتِ الْبِكْرُ صَغِيرَةً فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنَ الْعَصَبَاتِ تَزْوِيجُهَا بِحَالٍ.

وَقَالَ أبو حنيفة: لِجَمِيعِ الْعَصَبَاتِ تَزْوِيجُهَا صَغِيرَةً كَالْأَبِ وَلَهَا الْخِيَارُ إِذَا بَلَغَتْ بِخِلَافِهَا مَعَ الْأَبِ.

وَقَالَ أبو يوسف: لَهُمْ تَزْوِيجُهَا وَلَا خِيَارَ لَهَا كَهِيَ مَعَ الْأَبِ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) {النساء: ١٢٧) .

قَالَ: وَالْيَتِيمَةُ مَنْ لَا أَبَ لَهَا مِنَ الصِّغَارِ وَالَّذِي كُتِبَ لَهَا صَدَاقُهَا فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ نِكَاحِ غَيْرِ الْأَبِ لَهَا، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ جَازَ لَهُ تَزْوِيجُهَا فِي الْكِبَرِ جَازَ لَهُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِتَزْوِيجِهَا فِي الصِّغَرِ كَالْأَبِ؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَوَى الْآبَاءُ وَالْعَصَبَاتُ فِي إِنْكَاحِ الثَّيِّبِ وَجَبَ أَنْ يَسْتَوُوا فِي إِنْكَاحِ الْبِكْرِ وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ أَنَّهُ زَوَّجَ ابنة أخيه بعبد الله بن عمر فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نِكَاحَهُ فَقَالَ إِنَّنِي عَمُّهَا وَوَصِيُّ أَبِيهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إنها يتيمة وإنها لا تتزوج إِلَّا بِإِذْنِهَا " فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ تَزْوِيجَهَا إِلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ.

وَمِنَ الْقِيَاسِ: أَنَّ كُلَّ مَنْ لم يَمْلِكْ قَبْضَ صَدَاقِهَا لَمْ يَمْلِكْ عَقْدَ نِكَاحِهَا كالعم مع الثيب طرداً، أو كالسيد مع أمته عكساً، ولأنها ثبتت لِلْأَبِ فِي الصَّغِيرَةِ مِنْ غَيْرِ تَوْلِيَةٍ فَوَجَبَ أَنْ يُخْتَصَّ بِهَا مِنْ بَيْنِ الْعَصَبَاتِ كَوِلَايَةِ المال، ولأن النكاح إذا لم ينعقد لأن ما كَانَ فَاسِدًا كَالْمَنْكُوحَةِ فِي الْعِدَّةِ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَنْعَقِدُ بِخِيَارِ التَّحَكُّمِ وَالِاقْتِرَاعِ قِيَاسًا عَلَى خِيَارِ الثَّيِّبِ.

فَأَمَّا الْآيَةُ فَتُحْمَلُ عَلَى إِنْكَاحِهَا قبل اليتم أو على إنكاح الجد، لِأَنَّ الْيُتْمَ يَكُونُ بِمَوْتِ الْأَبِ، وَإِنْ كَانَ الْجَدُّ بَاقِيًا وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْأَبِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي الْوِلَايَةِ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْإِجْبَارِ، وَأَمَّا جَمْعُهُمْ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ فَمَرْدُودٌ بِافْتِرَاقِهِمَا فِي قَبْضِ الصَّدَاقِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

مَسْأَلَةٌ

قَالَ الشافعي: " ومثل هذا حديث خنساء زَوَّجَهَا أَبُوهَا وَهِيَ ثيبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ فَرَدَّ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نِكَاحَهُ وَفِي تَرْكِهِ أَنْ يَقُولَ لِخَنْسَاءَ " إِلَّا أَنْ تَشَائِي أَنْ تُجِيزِي مَا فَعَلَ أَبُوكِ " دلالةٌ عَلَى أَنَّهَا لَوْ أَجَازَتْهُ مَا جَازَ والبكر مخالفةٌ لها لاختلافهما في لفظ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ولو كانا سواء كان لفظ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنهما أحق بأنفسهما. وقالت عائشة رضي الله عنها تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وأذا، ابنة سبع سنين ودخل بي وأنا ابنة تسع وهي لا أمر لها وكذلك إذا بلغت ولو كانت أحق بنفسها أشبه أن لا يجوز ذلك عليها قبل بلوغها كما قلنا في المولود يقتل أبوه ويحبس قاتله حتى يبلغ فيقتل أو يعفو ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: النِّكَاحُ الْمَوْقُوفُ لَا يَصْحُ وَلَا يَقَعُ إِلَّا عَلَى إِحْدَى حَالَتَيْنِ مِنْ صِحَّةٍ أَوْ فَسَادٍ، سَوَاءً كَانَ موقوفاً على إجازة الزوجة، أو الزوج أَوِ الْوَلِيِّ، وَكَذَلِكَ الْبَيْعُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُعْقَدَ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ الْبَائِعِ أَوِ الْمُشْتَرِي.

وَقَالَ أبو حنيفة: يَصِحُّ النِّكَاحُ الْمَوْقُوفُ عَلَى إجازة الزوجة، أو الزوج، أو الولي،

<<  <  ج: ص:  >  >>