للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ لَا يُعَيِّنَ لَهُ عَلَى الْمَنْكُوحَةِ وَيَكُونُ إِذْنُهُ مُطْلَقًا فَيَجُوزُ بِخِلَافِ السَّفِيهِ الذي يلزم الولي أن يعين عَلَى الْمَنْكُوحَةِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْعَبْدَ مَنْ أَهْلِ الِاخْتِيَارِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْعُقُودِ وَلَيْسَ السَّفِيهُ مِنْ أَهْلِ الِاخْتِيَارِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْعُقُودِ فَإِذَا صَحَّ نِكَاحُ الْعَبْدِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ نَظَرَ فِي الْمَهْرِ فَإِنْ كَانَ قَدْرَ مَهْرِ الْمِثْلِ كَانَ فِي كَسْبِهِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ لَزِمَ قَدْرَ مَهْرِ المثل في كسبه ونالت الزِّيَادَةَ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يُعْتَقَ فَيُؤَدِّي وَفَارَقَ السَّفِيهَ فِي إِبْطَالِ الزِّيَادَةِ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ بِالْمَعْنَى الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ

فَأَمَّا إِذَا سَأَلَ الْعَبْدُ سَيِّدَهُ أَنْ يُزَوِّجَهُ فَعَضَلَهُ وَمَنَعُهُ نُظِرَ فِي الْعَبْدِ، فَإِنْ كَانَ غَيْرَ بَالِغٍ لَمْ يُجْبِرِ السَّيِّدَ عَلَى تَزْوِيجِهِ، لِأَنَّهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَى النِّكَاحِ وَإِنْ كَانَ بَالِغًا فَهَلْ يُجْبِرُ السَّيِّدَ عَلَى تَزْوِيجِهِ إِنْ أَقَامَ عَلَى عَضْلِهِ وَمَنْعِهِ زَوَّجَهُ الْحَاكِمُ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَشَارَ إِلَيْهِ في كتاب التعرض بالخطبة أن السيد بجبر على تزويج العبد لِمَا يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ حَاجَتِهِ وَكَمَالِ مَصْلَحَتِهِ وَسُكُونِ نَفْسِهِ فَشَابَهَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ تَمَامِ قُوَّتِهِ وَكَمَالِ كِسْوَتِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ، وَالْجَدِيدِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ السَّيِّدَ لَا يُجْبَرُ عَلَى تَزْوِيجِ عَبْدِهِ، لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الْمَلَاذِ وَالشَّهَوَاتِ وَلَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ تَمْكِينُ عَبْدِهِ مِنْ مَلَاذِهِ وَشَهَوَاتِهِ، فَعَلَى تَقْدِيرِ القولين لو كان السيد مولى عليه لصغره أَوْ سَفَهٍ أَوْ جُنُونٍ.

فَإِنْ قِيلَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ: أَنَّ السَّيِّدَ يُجْبَرُ عَلَى نِكَاحِ عَبْدِهِ لَزِمَ وَلِيَّ السَّيِّدِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ أَنْ يُزَوِّجَ عَبْدَهُ إِذَا طَلَبَ النِّكَاحَ وَإِنْ قِيلَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ السَّيِّدَ لَا يُجْبَرُ عَلَى تَزْوِيجِهِ لَمْ يَكُنْ لِوَلِيِّهِ أَنْ يُزَوِّجَهُ.

فَصْلٌ

فَأَمَّا إِذَا أَرَادَ السَّيِّدُ أَنْ يُجْبِرَ عَبْدَهُ عَلَى التَّزْوِيجِ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ صَغِيرًا كَانَ لِسَيِّدِهِ إجباره على النكاح، ولأنه لَمَّا كَانَ لَهُ إِجْبَارُ وَلَدِهِ فِي صِغَرِهِ الَّذِي لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ فَإِجْبَارُ عَبْدِهِ فِي صِغَرِهِ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ بَالِغًا فَهَلْ لِلسَّيِّدِ إِجْبَارُهُ عَلَى النِّكَاحِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ لَهُ إِجْبَارُ عَبْدِهِ عَلَى النِّكَاحِ لأنه لما ملك العقد، على منافعه ورقيته جَبْرًا كَانَ النِّكَاحُ مُلْحَقًا بِأَحَدِهِمَا فِي عَقْدِهِ عَلَيْهِ جَبْرًا.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ إِجْبَارُ عَبْدِهِ عَلَى النِّكَاحِ، لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الْمَلَاذِ وَالشَّهَوَاتِ الَّتِي ليس للسيد إجبار عبده عليها، ولأن معقود الْوَطْءَ الَّذِي لَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ إِجْبَارُ عَبْدِهِ عَلَيْهِ فَكَانَ النِّكَاحُ بِمَثَابَتِهِ، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا لو كان السيد مولى عليه لصغر أو سَفَهٍ لَمْ يَكُنْ لِوَلِيِّهِ إِجْبَارُ عَبْدِهِ عَلَى النِّكَاحِ قَوْلًا وَاحِدًا، لِمَا فِي إِجْبَارِهِ مِنْ إِخْرَاجِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ مِنْ كَسْبِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>