للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إطلاق الْأَمْرِ يَقْتَضِي حَمْلَهُ عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ، وَلِأَنَّ هَذَا الْمَهْرَ مَا وَجَبَ بِالْعَقْدِ؛ وَإِنَّمَا وَجَبَ بِالْوَطْءِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ فِيهِ إذن، فعلى هذا في محل هذا المهر الْقَوْلَانِ الْمَاضِيَانِ:

أَحَدُهُمَا: فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ.

وَالثَّانِي: فِي رَقَبَتِهِ.

فَصْلٌ

وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ بِأَمَتِهِ فَلَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ مَهْرٌ وَلَا نَفَقَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا لَوْ وَجَبَا لَكَانَا لِلسَّيِّدِ وَلَا يَثْبُتُ لِلسَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ مَالٌ لَكِنِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْمَهْرِ، هَلْ وَجَبَ بِالْعَقْدِ ثُمَّ سَقَطَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ وَجَبَ بِالْعَقْدِ ثُمَّ سَقَطَ لِئَلَّا يَكُونَ كَالْمَوْهُوبَةِ الَّتِي جُعِلَتْ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ أَصْلًا، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِلْكُ السَّيِّدِ مَانِعًا مِنَ اسْتِدَامَةِ اسْتِحْقَاقِهَ كَانَ مَانِعًا مِنَ ابْتِدَاءِ اسْتِحْقَاقِهِ، أَلَّا تَرَاهُ لَوْ أَتْلَفَ مَالَ سَيِّدِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ غُرْمُهُ لَا فِي الِابْتِدَاءِ وَلَا فِي الِاسْتِدَامَةِ كَذَلِكَ الْمَهْرُ، وَلِمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ أَنْ يَنْفَصِلَ عَنْهُ بِأَنَّ الْأَمْوَالَ قَدْ تجوز أَنْ تُمَلَّكَ بِغَيْرِ بَدَلٍ وَالْبُضْعُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُمَلَّكَ إِلَّا بِبَدَلٍ، فَلَوْ أَنَّ السَّيِّدَ بَعْدَ تَزْوِيجِ عَبْدِهِ بِأَمَتِهِ أَعْتَقَهُمَا مَعًا لَمْ يَكُنْ لَهُ مُطَالَبَةُ عَبْدِهِ بِالْمَهْرِ بَعْدَ عِتْقِهِ؛ لِأَنَّهُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ وَلَا لِلْأَمَةِ بعد عتقها مطالبة الزوج ولا السيد بِمَهْرِهَا؛ لِأَنَّهُ مَا وَجَبَ لَهَا بِالْعَقْدِ.

فَصْلٌ

وَإِذَا زَوَّجَ السَّيِّدُ أَمَتَهُ بِعَبْدِ غَيْرِهِ وَلَمْ تقبض مهرها مِنْهُ حَتَّى اشْتَرَاهُ، فَإِنْ كَانَ بِيَدِ الْعَبْدِ مِنْ كَسْبِهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ وَبَعْدَ النِّكَاحِ شَيْءٌ فَهُوَ لِلْمُشْتَرِي يَأْخُذُهُ مِنْ مَهْرِ أَمَتِهِ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ فِيهِ حَقٌّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِ الْعَبْدِ مَنْ كَسْبِهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ شَيْءٌ فَلَا مُطَالَبَةَ لِمُشْتَرِيهِ بِمَهْرِ أَمَتِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ عَبْدَهُ وَلَا حَقَّ لِلسَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ.

وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ هَذَا الشِّرَاءُ أَسْقَطَ الْمَهْرَ أَوْ مَنَعَ مِنَ الْمُطَالَبَةِ مَعَ بَقَاءِ الْمَهْرِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَدْ أَسْقَطَ الْمَهْرَ، لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمِلْكُ مَانِعًا مِنَ ابْتِدَاءِ اسْتِحْقَاقِهِ كَانَ مَانِعًا مِنْ بَقَاءِ اسْتِحْقَاقِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ مَنَعَ مِنَ الْمُطَالَبَةِ بِالْمَهْرِ وَلَمْ يسقطه؛ لأن الحقوق ثابتة في الذمم لا تسقط إلا بالأداء أو الإبراء، وَلَيْسَ الشِّرَاءُ وَاحِدًا مِنْهُمَا، وَتَأْثِيرُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ يَكُونُ بِعِتْقِ الْعَبْدِ أَوْ بَيْعِهِ.

فَإِنْ قِيلَ إِنَّ الشِّرَاءَ قَدْ أَسْقَطَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْمَهْرِ لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ مُطَالَبَةُ الْعَبْدِ بَعْدَ عتقه أو بيعه.

فإن قيل: إنه مَنَعَ مِنَ الْمُطَالَبَةِ بِهِ وَلَمْ يُسْقِطْهُ كَانَ لِلسَّيِّدِ مُطَالَبَتُهُ بَعْدَ عِتْقِهِ أَوْ بَيْعِهِ.

فَصْلٌ

وَإِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ عَبْدَهُ بِأَمَةِ غَيْرِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهَا السَّيِّدُ كَانَ النِّكَاحُ بِحَالِهِ وَمَهْرُهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>