للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَيْضِ يَوْمًا وَلَيْلَةً؛ لِأَنَّهُ يَقِينٌ وَاحْتِيَاطٌ وَمَا جَاوَزَهُ شَكٌّ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْقِطَ بِالشَّكِّ فَرْضَ الصَّلَاةِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهَا تُرَدُّ إِلَى سِتَّةِ أَيَّامٍ وسبعة أيام، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ " تَحِيضِي فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتًّا أَوْ سَبْعًا " وَلِأَنَّ ذَلِكَ غَالِبُ عَادَاتِ النِّسَاءِ، فَاقْتَضَى أَنْ تُرَدَّ إِلَيْهَا كَمَا تُرَدُّ إِلَى غَالِبِ عَادَاتِهِنَّ إِذَا اسْتَدَامَ الدَّمُ بِهَا أَنْ تَحِيضَ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةً، وَلَيْسَ الْيَقِينُ فِيهِ مُعْتَبَرًا كَذَلِكَ يُعْتَبَرُ فِي الْقَدْرِ غَالِبُ الْعَادَاتِ، وَلَا يَكُونُ الْيَقِينُ فِيهِ مُعْتَبَرًا، وَقَالَ أبو حنيفة: تُرَدُّ إِلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ، وَهُوَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ عِنْدَهُ، فَخَالَفَ الْقَوْلَيْنِ مَعًا؛ احْتِجَاجًا بِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي حَيْضٍ بِيَقِينٍ، فَلَمْ تَخْرُجْ مِنْهُ إِلَّا إِلَى طُهْرٍ بِيَقِينٍ.

وَدَلِيلُنَا مَعَ الْخَبَرِ أَنَّهُ اخْتَلَطَ حَيْضُهَا بِاسْتِحَاضَتِهَا فَوَجَبَ رَدُّهَا عَنِ الْأَكْثَرِ إِلَى مَا دُونِهِ كَالْمُعْتَادَةِ فِي رَدِّهَا عَنْ أَكْثَرِ الْحَيْضِ إِلَى أَيَّامِ الْعَادَةِ، وَلِأَنَّ الِاسْتِظْهَارَ لِلْعَادَةِ أَوْلَى مِنَ الِاسْتِظْهَارِ عَلَيْهَا فَامْتَنَعَ بِذَلِكَ رَدُّهَا إِلَى أَكْثَرِهِ، وَلَمْ يَبْقَ رَدُّهَا، إِلَى الْيَقِينِ، وَهُوَ الْأَقَلُّ أَوْ إِلَى الْأَغْلَبِ وَهُوَ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ.

وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي السِّتِّ أَوِ السبع هل ترد إليها على طريق التخيير - أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مُخَيَّرَةٌ بَيْنَ السِّتَّةِ أَوِ السَّبْعَةِ -.

وَالثَّانِي: أَنَّهَا غَيْرُ مُخَيَّرَةٍ وَإِنَّمَا فَرْضُ الِاجْتِهَادِ إِلَيْهَا فِي حَيْضِ نَظَائِرِهَا مِنْ أَهْلِهَا فَإِنْ كَانَ غَالِبُ حَيْضِهِنَّ سِتًّا فَمَا دُونُ حَيَّضَتْ نَفْسَهَا سِتًّا وَإِنْ كان عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي السِّتِّ أَوِ السَّبْعِ نفسها معاً ثُمَّ تَصْنَعُ كَذَلِكَ فِي كُلِّ شَهْرٍ فَلَوْ كَانَ أَوَّلُ دَمِهَا الَّذِي رَأَتْهُ أَصْفَرَ ثُمَّ تَعَقَّبَهُ سوادٌ، وَدَخَلَتِ الِاسْتِحَاضَةُ فِي الْحَيْضِ، وَوَجَبَ رَدُّهَا فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إِلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَفِي الثَّانِي إِلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ تُرَدُّ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ إِلَى زَمَانِ الدَّمِ الْأَصْفَرِ أَوْ إِلَى زَمَانِ الدَّمِ الْأَسْوَدِ، عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ تُرَدُّ إِلَى الدَّمِ الْأَصْفَرِ لِتَقَدُّمِهِ.

وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ المروزي ترد إلى الدم الأسود؛ لأنه اختص بدم الحيض، وإذا رُدَّتْ إِلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْقَوْلَيْنِ كَانَ الْقَدْرُ الَّذِي رُدَّتْ إِلَيْهِ مِنَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أو الست أو السبع حيضاً يقيناً لا تقتضي مَا تَرَكَتْ فِيهِ مِنَ الصَّلَاةِ وَكَانَ مَا بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا طُهْرًا يَقِينًا تُصَلِّي وَتَصُومُ وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا، وَفِيمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الزَّمَانِ قَوْلَانِ نَصَّ عَلَيْهِمَا فِي الْأُمِّ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ تُصَلِّي وَتَصُومُ وَلَا تَقْضِيَ وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا؛ لِأَنَّ رَدَّهَا إِلَى هَذَا الْقَدْرِ يَمْنَعُ مِنْ جَرَيَانِ حُكْمِ الْحَيْضِ عَلَى مَا سِوَاهُ وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَهُوَ أَصَحُّ القولين.

<<  <  ج: ص:  >  >>