للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا وَصَحَّ النِّكَاحُ، لِأَنَّ بُطْلَانَ الصَّدَاقِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ النِّكَاحِ فَتَكُونُ لَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى صَدَاقٍ فَاسِدٍ مِنْ حَرَامٍ أَوْ مجهول ويكون له عليهما قيمتها فإن كانت القيمة مهر الْمِثْلِ مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لَمْ يَكُونَا قِصَاصًا، وَإِنْ كَانَا مَنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَهَلْ يَكُونَا قِصَاصًا أَمْ لَا؟ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَقَاوِيلِ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَنْكِحَهَا عَلَى أَنْ تكون قيمتها صداقاً فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَا عَالِمَيْنِ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ فَيَكُونُ النِّكَاحُ وَالصَّدَاقُ جَائِزَيْنِ، لِأَنَّهُ تزوجها على معلوم في ذمتها فعاد كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى دَيْنٍ فِي ذِمَّتِهَا من ثمن أو قرض وتبرأ من قيمتها بالصداق، ويبرأ مِنْ صَدَاقِهَا بِالْقِيمَةِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَا جاهلين بقدر القيمة أو أحدها، فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَفِي بُطْلَانِ الصَّدَاقِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: - وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ، وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيُّ، وَأَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ، أَنَّ الصَّدَاقَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تَمْنَعُ مِنْ صِحَّتِهِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عقد غَيْرِ مَوْصُوفٍ وَلَا مُعَيَّنٍ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: - قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ، وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الصَّدَاقَ جَائِزٌ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ فِي الْقَدِيمِ أَنَّ الصَّدَاقَ الْمُعَيَّنَ إِذَا بَطَلَ وَجَبَ الرُّجُوعُ بِقِيمَتِهِ لا بمهر المثل، فتصح هَاهُنَا، لِأَنَّ قِيمَةَ الصَّدَاقِ هِيَ الْقِيمَةُ الْمُسْتَحَقَّةُ.

فَصْلٌ

فَإِذَا أَرَادَ سَيِّدُ الْأَمَةِ أَنْ يَتَوَصَّلَ إِلَى عِتْقِهَا وَنِكَاحِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهَا خِيَارٌ فِي الِامْتِنَاعِ بَعْدَ الْعِتْقِ، فَقَدْ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ: إِنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى التَّوَصُّلِ إِلَى ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ لَهَا: إِنْ تَزَوَّجْتُكِ فِي غدٍ فَأَنْتِ الْيَوْمَ حُرَّةٌ، فَهِيَ مَا لَمْ يَتَزَوَّجْهَا فِي غَدٍ بَاقِيَةٌ عَلَى الرِّقِّ، لَا خِيَارَ لَهَا فِي نَفْسِهَا وَإِذَا تَزَوَّجَهَا أَوْجَبَ التَّزْوِيجُ تَقَدُّمَ عِتْقِهَا، وَبَانَ أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَيْهَا وَهِيَ حُرَّةٌ قَبْلَهُ بِيَوْمٍ فَصَحَّ.

وَقَالَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا: هَذَا خَطَأٌ، وَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ، لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَقَعُ إِلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ، فَصَارَ الْعَقْدُ وَاقِعًا فِي حَالِ الرِّقِّ، وَلَا يَصِحُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْكِحَ أَمَتَهُ فَبَطَلَ الْعَقْدُ وَإِذَا لَمْ يَقَعِ الْعِتْقُ، لأن الْعِتْقُ إِذَا عُلِّقَ بِعَقْدٍ تَعَلَّقَ بِصَحِيحِهِ دُونَ فَاسِدِهِ.

فَصْلٌ

وَإِذَا قَالَتِ الْمَرْأَةُ لِعَبْدِهَا: قَدْ أَعْتَقْتُكَ عَلَى أَنْ تَتَزَوَّجَ بِي أَوِ ابْتَدَأَهَا الْعَبْدُ فَقَالَ اعْتِقِينِي عَلَى أَنْ أَتَزَوَّجَ بِكِ فَأَعْتَقَتْهُ عَتَقَ فِي الْحَالَيْنِ وَلَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا وَلَا يَلْزَمْهَا إِنْ رَضِيَ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَلَا قِيمَةَ لَهَا عَلَى عَبْدِهَا بِخِلَافِ عِتْقِ السَّيِّدِ لِأَمَتِهِ عَلَى هذا الشَّرْطِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ مَا أَوْجَبَهُ عَقْدُ النِّكَاحِ مِنَ التَّمْلِيكِ يَسْتَحِقُّهُ الزَّوْجُ دُونَ الزَّوْجَةِ، فَإِذَا شَرَطَهُ السَّيِّدُ عَلَى أَمَتِهِ كَانَ شَرْطًا له، فإذا فاته رجع ببذل كما لو أعتقها على مال يأخذه استحقه عليها، وإذا شرطت الْمَرْأَةُ عَلَى عَبْدِهَا كَانَ شَرْطًا عَلَيْهَا فَلَمْ يكن سقوطه عنها موجباً

<<  <  ج: ص:  >  >>