للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدُهُمَا: وَلِيُّهَا فِي النِّكَاحِ كَالْأَمَةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: مَنْ تَأْذَنُ لَهُ مِنَ النَّاسِ؛ لِأَنَّ وَلِيَّ النِّكَاحِ يُرَاعَى فِي الزَّوْجَةِ دُونَ الزَّوْجِ، وَإِنْ كان العبد بَالِغًا فَالصَّحِيحُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِإِذْنِهَا وَحْدَهَا كَالسَّيِّدِ، وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَزَوَّجَ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ وَلَيُّهَا فَيَجُوزُ لَهُ بِاجْتِمَاعِ الْإِذْنَيْنِ أَنْ يَتَزَوَّجَ؛ لِأَنَّ إِذْنَ الْمَرْأَةِ فِي النِّكَاحِ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِوَلِيٍّ، وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَمْنُوعٌ مِنَ النِّكَاحِ بِحَقِّ الْمِلْكِ فَاسْتَوَى إِذْنُ المالك والمالكة كسائر الأموال.

[مسألة]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَأَمَةُ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ ممنوعةٌ مِنَ السَّيِّدِ حَتَى يَقْضِيَ دَيْنًا إِنْ كَانَ عَلَيْهِ وَيَحْدُثَ لَهُ حَجْرًا ثُمَّ هِيَ أَمَتُهُ ولو أَرَادَ السَّيِّدُ أَنْ يُزَوِّجَهَا دُونَ الْعَبْدِ أَوِ الْعَبْدُ دُونَ السَّيِّدِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لواحدٍ مِنْهُمَا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ مَا فِي يَدِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ كَالْمَرْهُونِ عَلَى مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ دُيُونِ مُعَامَلَاتِهِ لِضَعْفِ ذِمَّتِهِ بِالرِّقِّ، فَصَارَ مَا فِي يَدِهِ مستحقاً في ديونه، ولم اشْتَرَى أَمَةً مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ لَمْ يَكُنْ للعبد وطئها بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُهَا، فَأَمَّا السَّيِّدُ إذا أراد وطئها فَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ مِنْ مُعَامَلَاتِهِ فَالسَّيِّدُ مَمْنُوعٌ مِنْ وَطْئِهَا لِتَعَلُّقِ دَيْنِهِ بِهَا كَمَا يُمْنَعُ مِنْ وَطْءِ الْمَرْهُونَةِ لِمَا يُفْضِي إليها وطئها مِنَ الْإِحْبَالِ الَّذِي رُبَّمَا أَدَّى إِلَى التَّلَفِ وكذلك يمنع من تزويجها لإفضائه إِلَى نُقْصَانِ ثَمَنِهَا، وَسَوَاءً كَانَ الدَّيْنُ الْبَاقِي مِنْ ثَمَنِهَا أَوْ مِنْ ثَمَنِ غَيْرِهَا إِلَّا أن يكون من قيمة متلف فتعلق بِرَقَبَتِهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِمَا فِي يَدِهِ فَإِنْ قَضَى الْعَبْدُ جَمِيعَ دُيُونِهِ أَوْ قَضَاهَا السَّيِّدُ عنه فهذا على ضربين:

أحدهما: أن العبد السيد أن يعبد الْحَجْرَ عَلَيْهِ، وَيَمْنَعَهُ مِنَ التِّجَارَةِ فَيَجُوزُ لِلسَّيِّدِ حينئذٍ أَنْ يَطَأَ الْأَمَةَ الَّتِي اشْتَرَاهَا الْعَبْدُ، وَأَنْ يُزَوِّجَهَا إِنْ شَاءَ، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يُزَوِّجَهَا بِغَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ، وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ تَزْوِيجُهَا بِإِذْنِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ يَمْنَعُ مِنْ وِلَايَةِ النِّكَاحِ.

وَالثَّانِي: يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ يَمْنَعُ مِنَ اسْتِحْقَاقِ الْوِلَايَةِ بِنَفْسِهِ وَلَا يَمْنَعُ مِنَ النِّيَابَةِ عَنْ غَيْرِهِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ.

وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ لَا يُعِيدَ الْحَجْرَ عَلَيْهِ بَعْدَ قَضَاءِ دَيْنِهِ ففي تزويج وَطْءِ السَّيِّدِ لَهَا وَتَزْوِيجِهِ إِيَّاهَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: - وَهُوَ الْأَصَحُّ يَجُوزُ لَهُ لِزَوَالِ مَا تَعَلَّقَ بِهَا مِنْ حَقٍّ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَؤمَنُ أَنْ يَغْتَرَّ النَّاسُ بِالْإِذْنِ الْمُتَقَدِّمِ فَيُعَامِلُونَهُ عَلَى مَا فِي يَدِهِ حَتَّى يتعلق الحجر ويظهر الرجوع.

<<  <  ج: ص:  >  >>