للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِي: قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ {فَإنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةٌ أَوْ مَا مَلَكَتْ أيْمَانُكُم} (النساء: ٣) . ولو كان المرد تسعاً ولم يرد اثنين عَلَى الِانْفِرَادِ لَقَالَ: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فثمان ليعدل عن التسع إلى أقرب الأعداد إليهما لا لبعده منهما، لأنه قد لا يقدر على العدل في تسع ويقدر على العدل في ثمان، ولو كَانَ عَلَى مَا قَالُوهُ لَكَانَ مَنْ عَجَزَ عَنِ الْعَدْلِ فِي تِسْعٍ حَرُمَ عَلَيْهِ أَنْ ينكح إلا واحدة ولما جاز لَهُ اثْنَانِ وَلَا ثَلَاثٌ وَلَا أَرْبَعٌ، وَهَذَا مَدْفُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ الدَّلِيلِ مَعَ نَصِّ السُّنَّةِ أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ الثَّقَفِيَّ أَسْلَمَ، ومَعَهُ عشر نسوة فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ " وَأَسْلَمَ نَوْفَلُ بْنُ معاوية وأسلم معه خَمْسٌ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ وَاحِدَةً " وَلِأَنَّهُ مَا جَمَعَ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أحد تقييداً بِفِعْلِهِ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ مَعَ رَغْبَتِهِمْ فِي الِاسْتِكْثَارِ وَحِرْصِهِمْ عَلَى طَلَبِ الْأَوْلَادِ، وَأَنَّهُمْ قَدِ اسْتَكْثَرُوا مِنَ الْإِمَاءِ وَاقْتَصَرُوا عَلَى أَرْبَعٍ مِنَ النِّسَاءِ، فَدَلَّ ذَلِكَ مِنْ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى حَظْرِ مَا عَدَاهُ، فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَدْ خُصَّ فِي النِّكَاحِ بِمَا حَرُمَ عَلَى سَائِرِ أُمَّتِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ أُبِيحَ لَهُ النِّسَاءُ مِنْ غَيْرِ عَدَدٍ مَحْصُورٍ، وَمَا أُبِيحَ لِلْأُمَّةِ إلا عدد محصور، وليس وإن مات من تسع يجب أن يكون هي العدد المحصور فقد جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَيْنَ إِحْدَى عَشْرَةَ وَمَاتَ عَنْ تِسْعٍ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِثَمَانٍ.

وَأَمَّا الْإِمَاءُ فَلَمْ يُحْصَرْنَ بِعَدَدٍ ممكن عَلَى الْإِطْلَاقِ.

فَصْلٌ

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْحُرِّ نِكَاحُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ فَنَكَحَ خَمْسًا نُظِرَ، فَإِنْ عَقَدَ عَلَيْهِنَّ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ بَطَلَ نِكَاحُ جَمِيعِهِنَّ، لِأَنَّ الْمُحَرَّمَةَ مِنَ الخمس غير متعينة فبطل نكاح الجميع وإن عَقَدَ عَلَيْهِنَّ مُنْفَرِدَاتٍ بَطَلَ نِكَاحُ الْخَامِسَةِ الْأَخِيرَةِ، وَصَحَّ نِكَاحُ مَنْ تَقَدَّمَهَا فَلَوْ تَزَوَّجَ ثَلَاثًا فِي عَقْدٍ وَاثْنَتَيْنِ فِي عَقْدٍ صَحَّ نِكَاحُ الثلاث لتقدمهن، وبطل نكاح الاثنتين لتأخرها، فلو أشكل المتقدم من العقد بَطَلَ نِكَاحُ الْخَمْسِ كُلِّهِنَّ فَلَوْ نَكَحَ ثَلَاثًا فِي عَقْدٍ وَاثْنَتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَوَاحِدَةً فِي عَقْدٍ وَأُشْكِلَ الْمُتَقَدِّمَاتُ مِنْهُنَّ صَحَّ نِكَاحُ الْوَاحِدَةِ لِأَنَّهَا تَتَنَزَّلُ فِي أَحْوَالِهَا كُلِّهَا عَلَى الصِّحَّةِ، وبطل نكاح الثلاث والاثنين لنزولهن بَيْنَ حَالَتَيْ صِحَّةٍ وَفَسَادٍ، وَبَيَانُ تَنْزِيلِهِنَّ فِي الْأَحْوَالِ أَنَّهُ إِنْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ نِكَاحُ الثلاث ثم الاثنين ثُمَّ الْوَاحِدَةِ صَحَّ نِكَاحُ الثَّلَاثِ وَالْوَاحِدَةِ وَبَطَلَ نِكَاحُ الِاثْنَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ نِكَاحُ الِاثْنَتَيْنِ ثُمَّ الثَّلَاثِ ثُمَّ الْوَاحِدَةِ صَحَّ نِكَاحُ الِاثْنَتَيْنِ وَالْوَاحِدَةِ وَبَطَلَ نِكَاحُ الثَّلَاثِ وَإِنْ تَقَدَّمَ نِكَاحُ الْوَاحِدَةِ ثُمَّ الثَّلَاثِ ثُمَّ الِاثْنَتَيْنِ صَحَّ نكاح الواحدة والثلاث وبطل نكاح والاثنتين وَصَارَتِ الْوَاحِدَةُ ثَانِيَةً فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا فَصَحَّ نكاحها ولما رود كاح الثَّلَاثِ وَالِاثْنَتَيْنِ بَيْنَ حَالَتَيْ صِحَّةٍ وَفَسَادٍ بَطَلَ نكاحهن.

[مسألة]

قال الشافعي: " والآية تدل على أنها على الأحرار بقوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أيْمَانُكُمْ} وَمِلْكُ الْيَمِينِ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلْأَحْرَارِ الَّذِينَ يَمْلِكُونَ الْمَالَ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ الْمَالَ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>