للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

موجبة للحوق الولد، وإذا لحق به الولد صَارَ حُرًّا لِأَنَّهُ مِنْ شُبْهَةِ مِلْكٍ فَكَانَ حُكْمُهُ كَحُكْمِ الْوَلَدِ مِنْ مِلْكٍ كَمَا أَنَّ الولد من شبهة نكاح في نكاح الولدين نكاح.

[فصل]

وأما كَوْنُهَا أُمَّ وَلَدٍ فَمُعْتَبَرٌ بِحَالِ الْوَلَدِ، فَإِنْ لم يلحق به لم تصر له أُمَّ وَلَدٍ، وَإِنْ لَحِقَ بِهِ الْوَلَدُ فَهَلْ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: - وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أنها تعتبر لَهُ أُمَّ وَلَدٍ، وَبِهِ قَالَ الرَّبِيعُ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: - وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ - إنها لا تصير أُمَّ وَلَدٍ، وَبِهِ قَالَ الْمُزَنِيُّ فَإِذَا قِيلَ: بِالْأَوَّلِ إِنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الرَّبِيعِ، وَجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا، فَوَجْهُهُ هُوَ أَنَّهُ لَمَّا لحق به ولدها بشبهة الملك كلحوقه به في الْمَالِكِ وَجَبَ أَنْ تَصِيرَ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ بِشُبْهَةِ الْمِلْكِ كَمَا تَصِيرُ لَهُ أُمَّ وَلَدٍ بِالْمِلْكِ.

وَإِذَا قِيلَ بِالثَّانِي: إِنَّهَا لَا تَصِيرُ أم ولد، وهو اختيار المزني فوجهه أَنَّهُ أَوْلَدَهَا فِي غَيْرِ مِلْكٍ فَلَمْ تَصِرْ به أم ولد وإن عتق الْوَلَدُ كَالْغَارَّةِ الَّتِي يَتَزَوَّجُهَا بِشَرْطِ الْحُرِّيَّةِ فَتَكُونُ أمة، فإن ولده منه حر ولا تصير له أم ولدٍ، فأما المزني فإنه استدل بصحة هَذَا الْقَوْلِ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ:

أَحَدُهَا: إنْ قَالَ قَدْ أَجَازَ الشَّافِعِيُّ لِلِابْنِ أَنَّ يُزَوِّجَ أَبَاهُ بأمته، ولو أولدها هذا الوطء الحلال لم تصر به أُمَّ وَلَدٍ فَكَيْفَ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ بِوَطْءٍ حَرَامٍ؟

وَالثَّانِي: إنْ قَالَ: لَيْسَ الْأَبُ شَرِيكًا فِيهَا فَيَكُونُ كَوَطْءِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ إِذَا كَانَ مُوسِرًا فَتَصِيرُ بِهِ إِذَا أَوْلَدَهَا أُمَّ وَلَدٍ، لأن الشريك مَلِكا، وَلَيْسَ لِلْأَبِ مِلْكٌ.

وَالثَّالِثُ: إنْ قَالَ لَمَّا لَمْ تَصِرْ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ لِلشَّرِيكِ إِذَا كَانَ مُعْسِرًا، وَلَهُ مِلْكُ فُلَأن لَا تَصِيرُ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ لِلْأَبِ، وَلَيْسَ لَهُ مِلْكٌ أَوْلَى فَانْفَصَلَ أَصْحَابُنَا عَنِ اسْتِدْلَالِ الْمُزَنِيِّ ترجيحاً للقول الأول.

فإن قَالُوا: أَمَّا اسْتِدْلَالُهُ الْأَوَّلُ بِأَنَّ لِلِابْنِ أَنْ يُزَوِّجَ أَبَاهُ بِأَمَتِهِ وَلَا تَصِيرُ بِالْإِحْبَالِ أُمَّ وَلَدٍ فَمَدْفُوعٌ عَنْهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ دَفْعِهِ عنه فَكَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ وَأَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ ينسبان المزني إلى السهو والغفل في نقله، وإنه غلط في تزويجه لجارية أبيه إلى تزويجه لجارية ابْنِهِ وَمَنَعُوا أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَبُ بِجَارِيَةِ الِابْنِ، وَإِنْ حَلَّ لِلِابْنِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِجَارِيَةِ الْأَبِ، وَإِنَّ الشَّافِعِيَّ قَدْ قَالَ ذَلِكَ نَصًّا فِي " الدعوى والنيات " لِأَنَّ عَلَى الِابْنِ أَنْ يَعِفَّ أَبَاهُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُزَوِّجَهُ بِأَمَتِهِ وَلَيْسَ عَلَى الْأَبِ أَنْ يَعِفَّ ابْنَهُ فَجَازَ أَنْ يُزَوِّجَهُ بِأَمَتِهِ وَإِنَّمَا كَانَ وُجُوبُ إِعْفَافِهِ عَلَى الِابْنِ يَمْنَعُهُ مِنَ التَّزْوِيجِ بِأَمَةِ الِابْنِ، لِأَنَّ الْحُرَّ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ الْأَمَةَ إِلَّا بِشَرْطَيْنِ عَدَمِ الطَّوْلِ، وَخَوْفِ الْعَنَتِ، فَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا لَمْ يَعْدَمِ الطَّوْلَ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا صَارَ بِوُجُوبِ إِعْفَافِهِ عَلَى الِابْنِ وَاجِدًا لِلطَّوْلِ، فَعَلَى هَذَا اسْتِدْلَالُهُ مَدْفُوعٌ بِغَلَطِهِ وَقَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>